تحقيق: في قانون الانتخاب الجديد: النسبيّة.. نسبيّة- العدد 22

0

إعداد: أديب محفوض وريما منصور وعلي الحمود

منذ عقود والقوانين الانتخابية في لبنان في حالة غير مستقرة. تولد هذه القوانين حسب الظروف السياسية وتكون على قياس القوى السياسية المسيطرة؛ ما يجعلها تلبي مصالح هؤلاء وحاجاتهم التمثيليّة. وفي العام الماضي توصّل المجلس النيابي إلى اعتماد النسبية كنظام اقتراعٍ جديد بعد أن كان النظام الاكثري معتمداً منذ أول انتخابات نيابية عرفها لبنان، حتى الانتخابات الأخيرة التي جرت في العام ٢٠٠٩ وفقاً للقانون رقم ٢٥/٢٠٠٨، والتي تلاها تمديدان للمجلس النيابي تجاوزت مدتهما الولاية الكاملة للمجلس، والتي ستنتهي في ٢١ أيّار ٢٠١٨، على أن يسبق هذا التاريخ محطة هامة، وهي إجراء الانتخابات النيابية في ٦ أيار ٢٠١٨ وفقاً للقانون الجديد رقم ٤٤/٢٠١٧، والذي يعتمد نظام الاقتراع النسبي بدلاً من الأكثري لأول مرّة في تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانيّة.

إلا أنّ صدور قانون جديد للانتخابات لا يكفي لضمان انتخابات ديمقراطية ينبثق عنها مجلس نيابي يُمثّل المواطنين تمثيلاً صحيحاً، فالعبرة هنا بما يتضمنه هذا القانون الجديد من مبادئ ومرتكزات تضمن نزاهة الانتخابات وتجعل منها تعبيراً صحيحاً عن إرادة الشعب التي تتجّسد في البرلمان المُنتخب.
والقانون الجديد، وإن تضمّن بعض النصوص والمبادئ الإصلاحية (والتي تم تفريغ بعضها من مضمونه)، إلا أنه لم يكن بمستوى آمال الكثير من المواطنين الحالمين بتغيير أداء الطبقة السياسيّة طالما انّ تغيير تلك الطبقة نفسها أو المس بالنظام أمر متعذّر حالياً.

لعل أهم ما تضمنه قانون الانتخاب الجديد رقم ٤٤/٢٠١٧، الانتقال من نظام الاقتراع الأكثري إلى النظام النسبي للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات النيابية. مع اعتماد الصوت التفضيلي على مستوى القضاء، إضافةً إلى تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، وإقرار حق اللبنانيين المغتربين في الاقتراع في دول الاغتراب، إضافةً إلى تحديد سقف للإنفاق الانتخابي وتنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين، كما حدّد القانون آلية تعيين ومهام هيئة الإشراف على الانتخابات.

وعند الغوص في خبايا قانون الانتخاب ٤٤/٢٠١٧ نتبيّن الآتي:

– إن هذا القانون وإن اعتمد النظام النسبي، إلا أنه باعتماده الدائرة الصغيرة نسبياً مع الصوت التفضيلي على مستوى القضاء، جرّد النسبية من مفاعيلها المرتقبة، فأعطى لهذا الصوت بُعداً طائفيّاً، وشتّت القوّة الانتخابية للقوى المعارضة للسلطة.

– إن اعتماد الصوت التفضيلي الواحد في دائرة صغيرة نسبيّاً يؤدي إلى خلق علاقات زبائنيّة بين الناخبين والمرشّحين، وذلك من خلال لجوء المُرشّحين إلى تقديم الخدمات ودفع الرشاوى طمعاً بأصوات الناخبين.

– بالإضافة الى اعتماد الدائرة الصغيرة نسبيّاً، قسّم القانون لبنان إلى 15 دائرة غير متوازنة لا على المستوى الجغرافي ولا على مستوى عدد الناخبين والمرشّحين، حيث نجد دائرة انتخابية تتشكّل من محافظة كاملة، ودائرة أخرى تتضمّن أقل من قضائين!

– عدم المساوة في قيمة الصوت بين المواطنين، حيث هناك من سينتخب للائحة من ١٣ مقعداً في إحدى الدوائر ، وفي دوائر أخرى من سيقترع للائحة من خمسة مقاعد.

ولا بُدّ من الإشارة أيضاً إلى أن القانون الجديد ألغى مبلغ التأمين البالغ 6 ملايين ليرة، والذي كان يودعه المرشح مع إمكانية استرجاعه عند فوزه في الانتخابات أو حصوله على 20% من أصوات المقترعين في الدائرة، حتى لو لم يفُز بمقعدٍ نيابي، فضمّ هذا المبلغ إلى رسم الترشيح الذي كان في القانون القديم مليوني ليرة، ليُصبح في القانون النافذ حالياً 8 ملايين ليرة، ويُعتبر من بين الرسوم الانتخابية الأعلى في العالم، يدفعه المرشّح كرسم ترشيح ولا يمكنه استرجاعه.

ولعلّ الأمل، وإن كان محدوداً، بالقدرة على منافسة لوائح السلطة وإمكانية اختراقها في بعض الدوائر، هو ما شجّع العديد من القوى على الدخول في المعترك الانتخابي. فعند إقفال باب الترشيح، سجّلت وزارة الداخلية طلبات ٩٧٦ مرشّحاً،  تم إسقاط ترشيح ٣٢٠ مرشحاً منفرداً منهم بسبب عدم انضوائهم ضمن لوائح، وذلك بعد إقفال باب تسجيل اللوائح الانتخابية، فأصبح عدد المرشحين في إطار اللوائح المسجلة رسمياً ٥٩٧ مرشحاً موزعين على ٧٧ لائحة في مختلف المناطق اللبنانية على  الشكل التالي:

– بيروت الأولى : ٥ لوائح / ٨ مقاعد
– بيروت الثانية : ٩ لوائح / ١١ مقعد
– عكار: ٦ لوائح/ ٧ مقاعد
– طرابلس – المنية – الضنية : ٨ لوائح/ ١١ مقعد
– بعبدا: ٤ لوائح / ٦ مقاعد
– بعلبك – الهرمل : ٥ لوائح / ١٠ مقاعد
– البقاع الغربي – راشيا : ٣ لوائح/ ٧ مقاعد
– زحلة: /٥ لوائح ٧ مقاعد
– صيدا – جزين: ٤ لوائح / ٥ مقاعد
– الزهراني – صور: لائحتان / ٧ مقاعد
– بنت جبيل – مرجعيون – حاصبيا – النبطية: ٦ لوائح / ١١ مقعد
– كسروان – جبيل: ٥ لوائح / ٨ مقاعد
– المتن: ٥ لوائح / ٨ مقاعد
– البترون –الكورة – زغرتا – بشري: ٤ لوائح / ١٠ مقاعد
– عاليه – الشوف: ٦ لوائح / ١٣ مقعد.

كما كانت مشاركة المرأة اللبنانيّة لافتةً أيضاً في هذه الانتخابات، قياساً على انتخابات العام ٢٠٠٩، إذ وصل عدد المرشحات في انتخابات ٢٠٠٩ إلى ١٢ من أصل ٧٠٢ في حين أن ٤ مرشحات فقط فزن وهن موجودات في المجلس الحالي. ولا بد من الإشارة إلى أنهن وصلن بفعل العامل الوراثي! أما الآن ففي هذا الاستحقاق بلغ العدد النهائي 86 مرشحة من أصل ٥٩٧، توزّعن على الشكل التالي:

-كسروان – جبيل: ٦ مرشحات
– المتن: ٩ مرشحات
– بعبدا: ٤ مرشحات
– عاليه – الشوف: ٨ مرشحات
– بيروت الأولى : ٧ مرشحات
– بيروت الثانية : ٢٠ مرشحة
– زحلة: ٣ مرشحات
– البقاع الغربي- راشيا: مرشحة
– بعلبك- الهرمل: ٥ مرشحات
– عكار: ٥ مرشحات
– طرابلس – المنية – الضنية: ٨ مرشحات
– زغرتا- البترون- بشري- الكورة: ٥ مرشحات
– صيدا- جزين: مرشحتان
– صور- الزهراني: مرشحتان
– النبطية- مرجعيون- حاصبيا- بنت جبيل: ٣ مرشحات
لبنان ينتخب 2018

آلية الاقتراع بحسب القانون الجديد:
يقوم رئيس القلم بما يلي:

– يتحقق من أن ايٍ من أصابع الناخب غير مدموغ بالحبر.
-يطلب من الناخب تقديم بطاقة الهوية أو جواز السفر اللبناني العادي الصالح.
– يتحقق من اسم الناخب على لوائح الشطب.
– يسلّم رئيس القلم الناخب ورقة للاقتراع واحدة بعد أن يوّقع مع الكاتب على الجانب الخلفي منها ويسلمه ظرف رسمي ممهور بالختم الرسمي بعد توقيعه عليه.
– يشرح للناخب أن عليه التوجه إلزامياً إلى المعزل تحت طائلة منعه من الاقتراع.

التصويت:

يتوجب على الناخب داخل المعزل التأشير على اللائحة التي يرغب التصويت لها. كما عليه التأشير على اسم المرشح الذي يرغب في منحه صوته التفضيلي، كما هو مبين في ورقة الاقتراع.

يحق للناخب التأشير في خانة لائحة وأن يؤشر في خانة مرشح واحد ضمن هذه اللائحة التي اختارها كما وردت في القانون كصوت تفضيلي.

لا يحق للناخب أن يوّقع على ورقة الاقتراع أو أن يضيف رمزاً أو علامة تعريف.
لا يحق للناخب كتابة أي عبارات مشينة على ورقة الاقتراع.
على الناخب أن يطوي ورقة الاقتراع ويضعها داخل الظرف الرسمي ويغلقه.

تتم عملية التصويت من خلال الأوراق الرسمية المطبوعة سلفاً من قبل وزارة الداخلية. وتتضمن أسماء جميع اللوائح ضمن كل دائرة، مع اللون الذي اختارته، وأسماء الأعضاء في كل لائحة مصحوبة بصورة عن كل مرشح مع مربع فارغ يخول المقترعين التصويت بصوت تفضيلي.

يعتبر التصويت صحيحاً:

– في حال تم التصويت للائحة واحدة فقط مع التصويت بصوت تفضيلي واحد ضمن هذه اللائحة.
– في حال التصويت للائحة واحدة دون الصوت التفضيلي (يحتسب الصوت للائحة).
– في حال التصويت للائحة مع التصويت بأكثر من صوت تفضيلي، يحتسب الصوت للائحة فقط.
– في حال التصويت للائحة ومنح الصوت التفضيلي لمرشحٍ في لائحة أخرى، يتم احتساب الصوت للائحة فقط.
– في حال تم اختيار صوت تفضيلي واحد ضمن لائحة واحدة فإنه يتم احتساب اللائحة والصوت التفضيلي.
– تعتبر الورقة بيضاء في حال عدم التصويت لأي لائحة وعدم منح الصوت التفضيلي لأي مُرشّح.
– يعتبر الصوت ملغى في حال التصويت لأكثر من لائحة وكذلك الأمر في حال التصويت بأكثر من صوت تفضيلي في أكثر من لائحة.
– تعتبر الورقة ملغاة في حال إضافة أي إشارة غير مسموح فيها أو إضافة أي علامة على الورقة. كما تلغى أي ورقة غير الورقة الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية.

طريقة احتساب الحاصل الانتخابي:

بموجب قسمة عدد أصوات المقترعين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد النيابية المخصصة لها، نحصل على الحاصل الانتخابي، الذي سيستعمل لتحديد عدد المقاعد التي ستنالها كل لائحة مشاركة بالاقتراع. ويتم إخراج اللوائح التي لم تنل الحاصل الانتخابي من احتساب المقاعد ويعاد مجدداً تحديد الحاصل الانتخابي بعد حسم الأصوات التي نالتها هذه اللوائح، فتحصل اللائحة على عددٍ من المقاعد يساوي عدد الحواصل الانتخابية التي نالتها، على أن تمنح المقاعد المتبقية للوائح المؤهلة التي نالت الكسر الأكبر من الأصوات المتبقية من القسمة الأولى (أي قسمة عدد الأصوات التي حصلت عليها اللائحة على الحاصل الانتخابي) بالتراتبية على أن تتكرر هذه العملية بالطريقة عينها حتى توزيع المقاعد المتبقية كافة.

بعد تحديد عدد المقاعد الذي نالته كل لائحة مؤهلة، يتم ترتيب أسماء المرشحين في قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى وفقاً لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية. وتحتسب النسبة المئوية من الاصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الاصوات التفضيلية.

وفي حال تعادل النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية بين مرشحيْن، يتقدم في الترتيب المرشح الأكبر سناً، وإذا تساووا في السن يلجأ إلى القرعة من قبل لجنة القيد العليا.

وتجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءاً من رأس القائمة الواحدة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح، فيعطى المقعد الأول للمرشح الذي حصل على أعلى نسبة مئوية من الأصوات التفضيلية ويمنح المقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانيةفي القائمة وذلك لأي لائحة انتمى، وهكذا بالنسبة للمقعد الثالث حتى توزيع كامل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتمين لباقي اللوائح المؤهلة.

في عملية الفرز وإعلان النتائج:

عند الساعة السابعة مساءً، وبعد تحقق رئيس القلم من أنه لا يزال هناك ناخبون بانتظار دورهم في الاقتراع، يعلن عن إغلاق باب قلم الاقتراع. على أن يبقى كل من هيئة القلم ومندوبي اللوائح الثابتين و/او المتجولين والمراقبين المعتمدين وممثلي وسائل الإعلام الحائزين على تصريح من الهيئة بالتغطية والتصوير داخل أقلام الاقتراع. وقد ألزم القانون وجود تلفاز وكاميرا بحيث يتمكن الموجودين من رؤية الشاشة بوضوح.

بعد ذلك يتأكد رئيس القلم من أعداد الأوراق ويبدأ الكاتب بفتح كل ظرف ويسلمه إلى رئيس قلم الاقتراع ويقرأ بصوتٍ عالٍ وأمام الكاميرا اسم كل لائحة تم الاقتراع لها من قبل الناخبين ومن ثم اسم المرشح الذي حصل على الاصوات التفضيلية في كل لائحة. وعند إنهاء فرز قلم الاقتراع، يعلن الرئيس النتيجة المؤقتة ويوقع عليها، ويلصق فوراً الإعلان الذي يتضمن النتيجة هذه على باب قلم الاقتراع. على أن يعطي كلاً من المرشحين أو مندوبيهم نسخاً مصدقة من بيان الاصوات بناءً على طلبهم. بعدها ينظم محضر قلم الاقتراع على نسختين ويوقع أعضاء هيئة القلم جميع صفحاته.

يضع رئيس القلم ملف خاص يتضمن لوائح الشطب التي وقع عليها الناخبون، وجميع أوراق الاقتراع، ومحضر الأعمال المذكور سابقاً، وورقة فرز أصوات اللوائح والمرشحين، ويختم بالشمع الأحمر ليتم توصيله من قبل رئيس القلم ومساعده بمواكبة أمنية الى مركز لجنة القيد.

تقوم لجان القيد بتلقّي جميع محاضر الأقلام الداخلة ضمن نطاقها لتقوم بدراسة المحاضر والمستندات وتتخذ القرارات اللازمة بشأنها. وتقوم بإعادة فرز الأصوات آلياً عبر حاسوب مبرمج. كما يعاد العد يدوياً في حال برز أي خطأ.

بعد التحقق من عدد الأصوات، ترفع النتيجة وفقاً لجداول ومحاضر تنظمها لجنة القيد على نسختين بعد توقيعها من قبل جميع أعضائها إلى لجنة القيد العليا في الدائرة الانتخابية الكبرى التي تتولى بدورها عملية التدقيق في الجداول والمحاضر كما تتولى جمع الاصوات الواردة من لجان القيد الابتدائية بواسطة حاسوب آلي وتدون النتيجة النهائية على الجداول النهائية، وتوقع على المحضر وعلى الجدول العام النهائي بكامل اعضائها. واخيراً تعلن امام المرشحين أو المندوبين، النتائج النهائية بعدد المقاعد التي نالتها كل لائحة وأسماء المرشحين الفائزين.

هذه باختصار مُجريات العملية الانتخابية يوم الانتخاب. ويبقى على وزارة الداخلية والجمعيات المختصّة القيام بما يلزم لتبسيط هذه الآلية وتمكين الناخبين منها حتى لا تحول بعض الأخطاء دون احتساب صوتهم.

صحيح أن قانون الانتخاب هو المدخل إلى أي إصلاح أصبح في غاية الضرورة للنظام السياسي اللبناني، باعتبار أنّ التشريع هو منطلق العمل الديمقراطي السليم نحو بناء دولة القانون والمؤسسات، إلا ان ذلك يستدعي أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير جذري في تركيبة السلطة التشريعية، ينعكس على تركيبة الحكومة التي تتشكّل بناءً على هذه الانتخابات، وهذا ما لم يحققه القانون الجديد رقم ٤٤/٢٠١٧، باعتبار أن ما تضمنه هذا القانون فُصِّل على قياس قوى السلطة التي وإن خسرت بعض المقاعد لصالح القوى المعارضة، فهذا لا يعني أنها خسرت جنّة السلطة، ولا يؤشّر بأي شكلٍ إلى ترنّح النظام السياسي، باعتبار أن معظم المقاعد النيابية محسومة سلفاً لمصلحة قوى السلطة من خلال تقسيم الدوائر وفق ما اعتُمِد من معايير لا علاقة لها بالتوازن والمساواة، واعتماد الصوت التفضيلي على مستوى القضاء. فالحياة السياسية بعد الانتخابات قد تشهد ارتفاع بعض الاصوات المعارضة وغير المألوفة، بانتظار أن يسمع من يعنيهم الأمر.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.