بناءً على رؤيا ” تيار المجتمع المدني ” الذي يسعى لبناءِ وطنٍ ديمقراطي علماني، قوامه مواطن حرّ يشارك عبر وسائل لاعنفية في بناء مجتمع عادل ومنفتح على محيطه والعالم، واستنادًا إلى مبادئه الواردة في نصوصه التأسيسيّة وأعمدتها العلمانية الشاملة والديمقراطية والتشارك، يطرح تيار المجتمع المدني الوثيقة السّياسيّة التالية
مقدمة:
نحن في تيار المجتمع المدني، حرصا منّا على وحدة وطننا، وإيماناً منّا بهويةٍ تجمعنا كمواطنين في الوطن الواحد، نعلنُما يلي:
1- إن الأزمات اللبنانية الكبيرة التي مرّ بها وطننا، منذ نشأته وحتى تاريخه، كانت أهم مصادرها، وما زالت، النظام الطائفي ورؤية السلطة المركزية لمفهوم الوطن والتوزيع الطوائفي لمقدّرات الدولة وأدواتها.
2- إن لبنان، الوطن، السيد والمستقل، عماده وأساس بنيانه هو إرادة إنتماء أفراده له، وليس إنتماؤهم لقبائل طائفية داخله. بالتالي فإن تكوين الوطن لا يمكن أن يقوم على الطائفية السياسية والوظيفية والقانونية، بل على نظام مدني (علماني) يتساوى فيه أفراد المجتمع فيما بينهم وأمام القانون في الحقوق والواجبات.
3- إن النظام العلماني المقصود أعلاه هو النظام الذي يؤكد إستقلالية (Autonomy) العالم المدني بكل مقوِّماته وأبعاده وقيمه وسلوكه تجاه جميع المذاهب الدينية والفلسفية. فهو ذات مضمون حيادي بمعناه الإيجابي تجاه الأديان كافة. لذلك فإن من أهم ميزاته، ” إستقلالية الدين عن الطائفية واستقلالية الطائفة عن الدولة ” (كما نص المبدأ الثاني من مبادئ التيار)، بحيث يشكل هذا النظام الركيزة الأساسية والمدخل الصحيح إلى المواطنية الحقيقية، التي من دونها لا وجود لوطن.
من هذا المنطلق، نجد أنفسنا، بعيدين كل البعد عن التجاذبات والمُشادّات السياسية القائمة بين الزعماء الطائفيين في لبنان! كما نعتبر أنفسنا في ظل تصارعهم وتنافرهم وتناحرهم، غريبـين عن وطننا ومواطنيتنا التي من المفترض أن تجمعنا في هذا الوطن! ونـُؤكد بأننا لا نرغب في الإنكفاء والمراقبة أو إختيار حالة اللامبالاة (بما تفرضه هذه الحالة من كسل ويأس وإحباط)، بل نـُريد التعبير علناً عن نظرتنا للوطن المغايرة لنظرتهم.
نـُريد التوجه إلى جميع من يرى نفس رؤيتنا للوطن لنتكاتف ونتعاون في مسعى واحد.
نـُريد أن نـُؤكد أنّ أولويتنا هي بناء الدولة المدنية، بما توفره لوطننا من مناعة بمواجهة كل عدو أو متدخل في شؤونه، أكان إقليمياً أم دولياً.
هذا البناء هو الذي يُمتـّن المجتمع اللبناني، ويُخرجه من خيارات التدويل أو التقسيم أو الفدرلة.
هذا البناء هو الذي يَستبدل هوية الفرد الطائفية بهوية المواطنية.
هذا البناء هو الذي يُوحد جميع اللبنانيين في مواجهة أي عدوان خارجي على الوطن مهما كان نوعه، ومُقاومته.
وبالنتيجة، وجدنا أن خطابات وتحرّكات الفرقاء السياسيين المتواجهين على الساحة اللبنانية لم تطل لـُبًّ المشكلة اللبنانية، بل تعاونت بمعظمها في مضمونها للإبقاء على النظام الطائفي في لبنان حياً بغرض الحفاظ على التبعية الطائفية من أفراده لهم.
نحن مجموعة من المواطنين اللبنانيين، لا نستطيع أن نصطف وراء هذه الزعامات، لأن أولوياتها كانت دوماً وما تزال تتناقض وأولويتنا.
نحن مجموعة من المواطنين اللبنانيين، أولويتنا العمل لبناء وطن أفرغه النظام الطائفي من مقوماته!
بنود الوثيقة:
في ظل وضع لبنان الراهن، ، نُعلن ما يلي :
أولاً: إن النظام الطائفي السائد في لبنان يتناقض مع مبادئ الدولة المدنية العلمانية. بالتالي فإنّ كل من يَسيرُ في ركب النظام الطائفي الحالي دون أن يسعى إلى تغييره، هو، إما غير مدرك بأسس تمتين الوطن، أو مهمل بحقه، أو منتفع من عدم إكتمال عناصره.
إن الزعامات الطائفية لم تدرك يوماً أن بناء لبنان الوطن، يُستمد من تشارك أبنائه، بصفتهم أولاً مواطنين، قبل أي تصنيفات أخرى، دينية ً كانت أم غير دينية.
ثانياً: أن رفضنا للنظام الطائفي لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بموقف فكري من أي دين أو مذهب ديني، بل هو صرخة رفض لما نتلمّسه من تشتت اللبنانيين، في ظل هكذا نظام، وتوزعهم على قبائل طائفية كـَوّنـَت مرجعيتهم الأولى، واستبدلت إنتماءهم للوطن بإنتماءٍ ” للعشيرة ” الطائفية.
بالتالي فإن أولويتنا كمجموعة هي بناء الدولة المدنية العلمانية، وسنتعاون مع كل من يشاركنا هذه الأولوية.
ونرى بأنه لن تتمتـّن ثقافة الحياة، ولا ثقافة المقاومة،في وطن لم تكتمل فيه شروط المواطنية.
ونرفض ما دأب عليه كثيرٌ من السياسيين، عند كل استحقاق ٍ وطني، في المزايدة على بعضهم البعض بالخطاب السياسي المطروح كـ “خطاب وطني”، رغم احتوائه على جميع فنون التحريض الطائفي.
ثالثاً: إن النظام الطائفي هو الدافع لإستبدال إنتماء الفرد لطائفته على حساب إنتمائه للوطن. فهو يُستدرج عبر التثقيف على الطائفية والتخويف من الآخر، إلى مناصرة مواقف مرجعيته السياسية الطائفية، التي تـُقنعه بأن دورها المحافظة على تمثيل طائفته وعدم تهميشها على الساحة الوطنية.
وهذا النظام هو الكابح الأساسي أمام جدولة الأولويات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية، واستبدالها بأولويات قياسُها عشائري طائفي.
كما أنهالعنصر المؤثر في إنتقال أولويات النقابات العمالية من حقوقها المتعلقة بمواضيع مهنها إلى تجيير هذه المصالح أو التنازل عنها مرغمةً لصالح إمتيازات قبائلية طائفية.
رابعاً: نشجب ونُدين جميع أعمال التفجير والإغتيال التي هددت السلم الاهلي والوحدة الوطنية، ولاسيما أعمال الإغتيال التي رافقت الحرب الأهلية اللبنانية واستمرت بعد انتهائها، لتفرق اللبنانيين وتشتتهم، وتؤجج مشاعر الغضب والإحتقان عندهم. ونطالب في هذا السياق بضرورة المحاسبة على هذه الجرائم وانتهاج الشفافية خلال عمليّة المحاسبة بتنزيه القضاء عن أي تدخل سياسي فيه.
خامساً: نرفض ونُدين تخاطب اللبنانيين فيما بينهم بالسلاح، لأن سلاح الداخل، في ظل الدولة الطائفية، يتخطى مظهراً أساسياً من مظاهر قيام دولة المدنية التي نطمح إليها، ولا يُنتِج سوى الفتنة بين اللبنانيين، خاصّة في ظل إستمرار وجود خطوط تماس “سياسية – طائفية” بين أفراد المجتمع.
سادساً: نرفض هيمنة أية دولة على لبنان. كما نعترض على أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية أكان عربياً أو إقليمياً أو غربياً.
سابعاً: نشجب الأعمال العدوانية التي قام بها العدو الإسرائيلي- الكيان الغاصب، الذي شكل خطراً دائم التهديد لدول المنطقة عامة وللبنان خاصة. مع تأكيدنا أن منطلق خطورة هذا الكيان ليس مستمداً من الديانة اليهودية، بل من الصهيونية بما تشكله من مشروع عنصري توسعي، ومن تاريخ أعمال الكيان الصهيوني العدائية المتسلسلة منذ اغتصابه لدولة فلسطين وبعض الأراضي العربية، مروراً باحتلالاته المتتابعة للبنان وما خلـّفه من موت ودمار في أرجائه، وصولاً إلى اعتدائه الهمجي الأخير عليه في تموز 2006، وحصاره لغزة واعتدائه الأرهابي عليها في نهاية العام 2008. ونشير إلى ضرورة رفع الغطاء الدولي عن الجرائم المرتكبة بحق اللبنانيين والفلسطينيين ومحاكمة الحكومات الإسرائيلية أمام المحاكم وفي المحافل الدولية جراء خروقاتها الواضحة المتكررة للقانون الدولي ومعاهدات جنيف والأعراف والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.
ثامناً: ندعم مواجهة ومقاومة أي انتقاص من سيادة الوطن، أكان هذا الإنتقاص بواسطة الإحتلال العسكري بسلب الأرض (كما حصل بعد الإحتلال الإسرائيلي للبنان في العام 1982 والعام 2006)، أو السياسي بمصادرة القرار الداخلي (كما حصل في ظل الوصاية السورية على لبنان منذ العام 1990 وحتى 2005).
كما أننا، من منطلق واجبنا في نصرة حق كل مظلوم أينما وُجد، ندعم مقاومة الشعب الفلسطيني بوجه الكيان الصهيوني في فلسطين، وذلك طالما لم تحصل فلسطين على حقوقها في الوطن لجهة سيادتها على أراضيها وعلى مجالاتها البحرية والجوية، وطالما لم يـُؤمـَّن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم الأم. ونشدد على أهمية التلاقي والوحدة بين الشعب الفلسطيني.
تاسعاً: ندعو لتوحيد مواقف العرب حيال قضاياهم الأساسية، وإلى قيام السوق العربية المشتركة التي تؤدي إلى قيام إتحاد عربي تتعاون من خلاله الدول العربية على مختلف الصعد الإقتصادية والإجتماعية والإنمائية والدفاعية.
عاشراً: نشجب ما كبدته وتـُكبـّده الحكومات المتعاقبة وأصحاب القرارات السياسية على كاهل المواطن من ضرائب مرهقة لا يقابلها تأمين الضمانات والخدمات الأساسية.
كما ندين اعتماد سياسات إجتماعية وإقتصادية لم توفر للمواطن اللبناني الحد الأدنى للعيش الكريم، بل أدت إلى مضاعفة فواتير كهرباء والمياه، وإلى غلاء في المعيشة، وبطالة، وأزمة سكن، وصعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية، وتدني في الأجور وفي القدرة الشرائية ، وإلى ارتفاع في معدلات الفقر وإلى انتشار الأمية.
ونرى أن لا حل لهذه الأزمة الإقتصادية الإجتماعية إلا من خلال تضافر الجهود بعيدا عن التجاذبات السياسية للخروج من هذا الواقع الأليم.
في الخطوات المقترحة :
على صعيد بناء الدولة :
1- يسعى تيار المجتمع المدني، عن طريق المبادرات المطلبية، بجميع الوسائل الديمقراطية المتاحة، لتطبيق البنود المغيبة من إتفاقية الطائف (المعدِلة للدستور) التي تخدم أهداف بناء الوطن، وتحديداً النصوص الواردة في وثيقة الوفاق الوطني وموضوعها:
– إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني وإستحداث مجلس شيوخ (الباب الأول- العنوان الثاني: “الاصلاحات السياسية”، الفقرة أ، النقطة 7).
– إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والإختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات (الباب الأول- العنوان الثاني: “الاصلاحات السياسية”، الفقرة ز).
– إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل هيئة وطنية لهذا الغرض (الباب الأول- العنوان الثالث “الإصلاحات الأخرى”، الفقرة أ).
2- يتـَبَنـّى تيار المجتمع المدني المحاور الأربعة التي حددها ” مؤتمر العلمانيين في لبنان ” في العام 2006، وهي:
– محور الإعلام والعلمانية: الذي يسعى إلى إيضاح مفهوم العلمانية للناس، من خلال إنتاج برامج إعلامية لاطائفية. وتشكيل مجموعات ضغط علمانية سياسية إعلامية. ورصد الإعلام الطائفي والردّ عليه.
– محور التربية والعلمانية: الذي يقترح إستبدال مادة التعليم الديني في المدارس بمادة ثقافة الأديان وحضارتها، حيث يعلمها تربويون معدون من خارج وسط رجال الدين أنفسهم. وتشكيل قوى ضاغطة من أجل كتاب تاريخ موحّد للبنان.
– محور الأحوال الشخصية: الذي يسعى لإلغاء القيد الطائفي من سجلات النفوس، والعمل على قانون مدني إلزامي للأحوال الشخصية.
– محور الإنتخابات والعلمانية: الذي يسعى لإعتماد قانون للإنتخابات خارج القيد الطائفي يعتمد النسبية على أساس الدائرة الواحدة أو مؤقتا على أساس المحافظة.
ويعتبر تيار المجتمع المدني أن هذه المحاور تـُؤسس لرؤية عمل مشتركة للعلمانيين، يُمكنهم من خلالها تدعيم الخطوات نحو الدولة المدنية. ويسعى التيار بهذا الصدد لتشكيل قوى ضاغطة قانونية وسياسية وإعلامية تطلق مشاريعاً تنبثق عن هذه المحاور، وتضع أهدافها موضع التنفيذ.
على الصعيد التربوي :
يسعى تيار المجتمع المدني إلى:
– جعل التعليم إلزامي وبمتناول الجميع لغاية سن الخامسة عشر كحد أدنى.
– تفعيل التعليم الرسمي ودعمه وتنظيمه وتجهيز المدراس والمعاهد الرسمية والجامعة اللبنانية وتطوير التعليم العالي بما يتناسب مع حاجات المجتمع.
– تشجيع البحث العلمي ووضع كتب موحدة في التاريخ والثقافة الدينية والتربية المدنية.
– تعزيز فكر المواطنة لدى الطلاب وذلك بتفعيل المفاهيم التي يتضمنها كتاب التربية المدنية من احترام القوانين وتغليب القيم الوطنية على الإعتبارات الضيقة الأخرى.
– تفعيل التفتيش المركزي التربوي لضمان احترام التعليم بالمستوى المطلوب والكلفة المقبولة.
على الصعيد الصحي:
يدعم تيار المجتمع المدني ويؤكد حق كل مواطن في التمتع بغطاء صحي شامل مدى الحياة. ويرى أن على الهيئات الضامنة، من صندوق ضمان إجتماعي وصناديق تعاضد وشركات تأمين خاصة وغيرها من الصناديق، التعاون مع وزارة الصحة لتأمين هذا الغطاء الصحي الشامل. كما يرى التيار أنه من الضروري تعديل بعض القوانين لتـُلزم هذه الصناديق بإقامة التأمينات الصحية المذكورة.
على صعيد الدفاع الوطني و الامن الداخلي :
يدعو تيار المجتمع المدني إلى دعم الجيش الوطني بكافة ما يلزم من أسلحة وعتاد لتمكينه من القيام بواجباته في الدفاع عن الوطن وحماية سيادته واستقلاله.
كما يدعو إلى العمل على زيادة عديد قوى الأمن الداخلي وتجهيزها وتدريبها لتتمكن من مكافحة الإرهاب والجريمة وحماية أمن المواطنين.
على الصعيد الإنمائي الإقتصادي:
في ظل الأزمة المالية العالمية، يرى تيار المجتمع المدني ضرورة إعتماد لبنان، بعيدا عن التجاذبات السياسية، لخطة إقتصادية متكاملة تقوم على مبدأ العدالة الإجتماعية بما توفره من شبكة أمان إجتماعية من سكن وعمل وتعليم وطبابة وتنمية شاملة متكاملة، مع تعزيز قطاعي الصناعة والزراعة عبر تعديل السياسة الضريبية لتسهيل عملية الإستثمار فيهما وإشراك جميع شرائح المجتمع وخاصة الشباب منهم في الدورة الإقتصادية.
على صعيد الوسائل اللاعنفية للتغيير:
نظراً لارتفاع نسبة التخاطب العنفي بين اللبنانيين وبين الشباب تحديداً، يؤخذ تيار المجتمع المدني على عاتقه واجب:
– التمرّن على اللاعنفية، نظريةً، وأخلاقيةً، وممارسةً، من خلال تنظيم ورش عمل تدريبية حول اللاعنف ووسائل تطبيقه.
– بحث واستحداث الوسائل اللازمة للمقاومة اللاعنفية التي يمكن إنتهاجها، في مواجهة أي عدوان على لبنان.
– التشبيك مع هيئات المجتمع المدني من أجل تنسيق العمل.