مجلة تواصل مدني – العدد 14- عن شهر 12/2015- صفحة “تحقيق”- ص. 11- إعداد أديب محفوض
التربية الوطنية والتنشئة المدنية في المناهج .. التنظير لا يصنع المواطنية
بناءً على المرسوم رقم 10227 الصادر بتاريخ 8/5/1997 وملحقاته، أصدرت وزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة بواسطة المركز التربوي للبحوث والإنماء “مناهج التعليم العام وأهدافها” في سنة 1997 في مجلد يحتوي على 832 صفحة كرّس منها عشرين صفحة لمادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية، تحدّدت فيها الأهداف العامة ومحتوى المواد التي يجب أن تُدرَّس في المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية. فقد ورد في الملحق رقم 1، وفي سياق تحديده للأهداف العامة للمناهج : تتوخّى المناهج تنمية شخصية اللبناني كفرد وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حر وكمواطن مدني ملتزم بالقوانين ومؤمن بمبادئ ومرتكزات الوطن، وتستجيب لضرورات بناء مجتمع متقدّم ومتكامل يتلاحم فيه أبناؤه في مناخ من الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة.
وكما هو الحال مع المادة العاشرة من الدستور اللبناني التي لم تراعِ بناء أسس المواطنية الصحيحة ، فلم تقدّم الانتماء للوطن على أي انتماء آخر ، حيث سمحت هذه المادة للطوائف ببناء مدارسها ، مع ما يترتب على ذلك من تعزيز للطائفية والمذهبية، فقد كررت المبادئ العامة للمناهج ما ورد في هذه المادة، حيث ورد في الفقرة – د -على المستوى الوطني : “التعليم حر في لبنان ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب أو يتعرّض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب ولا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة انشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية “. وهنا لا بدّ من أن نتوقّع نتائج خطيرة يمكن أن تترتب على إطلاق حق الطوائف في إنشاء مدارسها الخاصة، وبالتالي نظام التعليم الديني الخاص بكلٍ منها، في ظل عدم وجود سلطة مركزيّة قويّة تفرض على المستوى التربوي التزاماً بالأهداف الوطنية للمناهج التربوية العامة.
من ورشة عمل الأساتذة لإطلاق كتاب “سلوكيات المواطن الفاعل” تاريخ 11/4/2015
وفي إطار الأهداف العامة لمنهج مادة التربية، وعلى مستوى بناء شخصية الفرد، تتركّز غايات التربية الوطنية والتنشئة المدنية في جملة أهداف أهمها ما ورد في البند الرابع لجهة تربية المتعلم على النقد والنقاش وتقبّل الآخر وحل المشكلات مع نظرائه بروح المسالمة والعدالة والمساواة، إضافةً إلى ما ورد في البند السابع لجهة تمتين تعلقه بهويته اللبنانية وبأرضه ووطنه في اطار سياسي ديمقراطي جامع وموحد.
هذا بعض ما هدفت مناهج التعليم العام، ولا سيّما منهج مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية إلى تحقيقه. أما ما تحقّق فعليّاً منه، بعد مرور 15 سنة على البدء بتطبيق المناهج الجديدة، فلا يعدو في معظمه غير نصوص مرّت على مسامع الأجيال الصاعدة، وحفظوها وفهموها، إلا أنّ سلوك معظمهم لم يتأثر بها. فالطائفية تجذّرت في نفوس الكثير من المواطنين، حيث الانتماء الأعمى إلى الطائفة والمذهب، والعصبية العمياء للزعيم الذي هو في الاساس سبب ما أصابهم من فقرٍ وحرمان وتخلف، طغى على أي انتماءً آخر. وبالتالي، لا الوحدة الوطنية ترسّخت، ولا المواطنية تجذّرت في نفوس المواطنين، ولا أجيال المستقبل التي يراهن عليها لبناء دولة مدنية ديمقراطية غيّرت في واقعٍ ورثته عن جيل الحرب. وما نلاحظه من تحزّبات وانقسامات ومواقف متصلّبة وتعصّب ونبذ للآخرين لدى أغلبية تلامذة المدارس وطلاب الجامعات لا يدلّ على أن التربية على المواطنية بما تتضمّنه من احترام مَن يخالفهم الرأي والمواقف، قد فعلت فعلها. فشتّان بين ما يتلقونه عن المواطنية وبين عيشها وممارستها. وهذه مشكلة تربوية بامتياز تطرح علامة استفهام كبرى حيال الأساليب التربوية المعتمدة في المدراس.
فبالرغم مما يطرحه منهج مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية من قيم الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، ونشر ثقافة المشاركة والانفتاح، وما طرحه من مشروعٍ مدني ووطني يبنى على تعزيز الانتماء الوطني للمتعلّمين. إلا ان ذلك لم يحل دون بروز نقاط ضعف وسمت المنهاج بشكلٍ واضح، كما هو الحال مع الهوّة الواسعة بين ما يطرحه المنهج على صفحات كتب التربية، وما يعانونه في حياتهم اليوميّة، دون تدريب المعلّمين على المهارات التي تمكّنهم من محاكمة الوقائع التي تخالف المبادئ التي يطرحها المنهج في سبيل تدريب المتعلمين على التزام سلوك وطنيّ يجسّد التزامهم القيم الانسانية والمدنية.
ويمكن إيراد بعض أسباب فشل منهج مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية في تحقيق الأهداف التي وضعت لها:
– كتاب التربية الوطنية يعاني منهجه من مشكلتين: التفكك واللا توازن، وهذا ما يفضي إلى الاستنتاج بأن الكتب المدرسية وضعت من خلفية غير واضحة استناداً إلى اجتهاد المؤلفين وليس نحو تحقيق أهداف محددة تتعلق بالسلوك وقيم المواطنة بشكل أساسي، وهذا ما يلقي ظلالاً من الشك حول وفاء هذه المادة بمعظم متطلبات المواطنية التي حلل على أساسها المنهج.
– تم التعاقد مع الأساتذة الذين درّسوا مادة التربية لأول مرّة مع انطلاق العمل بالمناهج الجديدة في العام الدراسي 2000- 2001، ولم يتم إدخالهم إلى ملاك وزارة التربية حتى العام 2004 حيث خضعوا لدورة تدريبية في كلية التربية، تلتها بعض المتابعات المحدودة التي تعلقت بتوصيف المسابقات وطرائق التدريس، ولما كان عدد هؤلاء الأساتذة محدوداً جداً ولا يسد حاجة السنوات التي تلت، لجأت الوزارة إلى التعاقد مع أساتذة غير مدربين ولا مهيّئين لهذا الامر، ولم يخضعوا لما يلزم من دورات تدريبية، وهذا ما لم يساعد في حسن تحقيق الأهداف.
– عدم تعديل المناهج ما جعل المضمون فاقد الأهمية والتأثير الذي يمكن أن يمنحه ارتباط المنهج بالمشكلات التي يجابهها المواطنون على أرض الواقع.
– عدم التناسب بين مضمون المادة وأهدافها لأن ما تتضمنه من مضامين وأنشطة لا يحقق تماماً ما تصبو إليه من أهداف، فالمادة يغلب عليها الطابع النظري بينما المطلوب منها التأثير في سلوك التلاميذ.
– ولمّا كان تيّار المجتمع المدني يسعى إلى بناء مجتمع الانسان عبر اعتماد سياسة القضايا لا سياسة الاشخاص، ويعمل على بناء مواطن يؤمن بالعدالة والمساواة والمشاركة والانفتاح ويناضل في سبيل تحقيقها. وانطلاقاً من إيمان التيار بدور التربية في تكوين سلوك هذا المواطن. باعتبار أن العملية التربوية هي المحور الأساس التي من خلاله تتم ترجمة فلسفة المواطنية إلى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في إرساء الممارسات الديموقراطية. ووسط هذا الخلل الذي رافق انطلاق المناهج الجديدة، بموادها الجديدة، ولا سيّما مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية، إضافةً إلى ما راكمته السنوات التي انقضت منذ البدء بتطبيق المناهج، والناجم عن عدم ملائمة قسم كبير من المواضيع التي تحتويها المادة مع التطورات الحاصلة في العقدين الأخيرين، وعلى كافة المستويات، السياسية والاجتماعية والتكنولوجية، في لبنان والمنطقة والعالم، خاض تيار المجتمع المدني غمار التصدّي للخلل البنيوي في الأصل، وذلك الناجم عن مرور سنوات طويلة دون تعديل المنهج، فساهم في سد بعض النقص الذي تعانيه المادة في مجال الربط بين مضامينها واهدافها السلوكية، فأجرى مجموعة ورش عمل تناولت تدريب الاساتذة على وسائل وطرائق تساهم في تعزيز ثقافة المواطنة، وصولاً إلى إنجاز كتاب “سلوكيات المواطن الفاعل – تمارين وأنشطة مكمّلة لمنهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية – المرحلة الثانوية” والذي هو عبارة عن مجموعة انشطة تتوزّع على محاور الكتاب في المرحلة الثانوية تعزز ثقافة المواطنة لدى التلميذ .
كتاب “سلوكيات المواطن الفاعل”
والكتاب صمم على شكل بطاقات منفصلة بهدف استعمالها بسهولة أكبر، وتحتوي كل منها على أحد الأنشطة التي تمّ توزيعها على محاور أربعة اخترناها انطلاقاً من قدرتها في التأثير على سلوك التلميذ، بمضامين تدفع باتجاه ترسيخ الانتماء إلى وطنه ومجتمعه وهي مشتركةّ بين منهج المادة في السنوات الثانوية الثلاث، وهذه المحاور هي :
1- القيم الإنسانية والديمقراطية
2- الحقوق والواجبات
3- خلقية العمل
4-المرافق العامة والتنظيم المدني
والانشطة متنوعة لجهة مضامينها ووسائل تطبيقها، فمنها الصفي واللا صفّي، ومنها ما يحتاج إلى تقنيات خاصة لتطبيقه كما هو الحال مع الأنشطة الافتراضية، ومنها ما يطبق بواسطة التقنيات القديمة. وهذا الامر مردّه الى التفاوت في التجهيزات بين المدارس.
وقد تمّ تضمين الكتاب فهرسين: الأول يفصّل النشاطات بحسب ارتباطها بعناوين المحاور الأربعة، والثاني يفصّلها استناداً إلى التقنيات المستخدمة فيها.
وتمّ تضمين الكتاب لائحة خاصة بمواقع جمعيّات ومنظّمات تقدّم موارد هامة، ولائحةً أخرى تتضمن مواقع رسمية تتصل بمواضيع النشاطات.
إلى أن تشرع الجهات المختصة بتعديل منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية، أردنا أن نضيء شمعة في الظلام، فلا نكتفي بلعن الظلمة، حتّى لا تحل لعنة الانتماءات الخاطئة علينا وعلى وطننا. (ملاحظة: الكتاب تم إنجازه بالتعاون بين تيار المجتمع المدني ومنظمة فريدريش إيبرت الألمانية، وهو يوزّع مجّاناً للمدارس والأساتذة المختصّين).