مجلة تواصل مدني – العدد 16- عن شهر 4/2016- صفحة “وعدنا إلك”- ص. 16- إعداد انجيلا مراد وباسل عبدالله
“وعدنا إلك نربِّي ولادنا على العَلمانية”… “وعدنا إلك نكون مُواطنين أحرار ديمقراطيين”… “وعدنا إلك نبقى لا عنفيين”… “وعدنا إلك نسعى لاستقلالية الدين عن الدولة”… “وعدنا إلك نبقى نآمن بقيمة الإنسان المطلقة”… “وعدنا إلك نعمل للإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان”… بهذه الشعارات التي رُفعت خلال التحركات التي نظمها تيار المجتمع المدني بعد وفاة حدّاد، ودّع شباب التيار ومُحبي غريغوار فقيدهم الراحل مطران الفقراء وعاهدوه مُتابعة النضال في سبيل إرساء المبادئ والقيم الإنسانيّة التي جمعتهم به.
– إضاءة شموع:
نظم تيار المجتمع المدني مساء يوم السبت 26/12/2015 وقفة أمام مستشفى “أوتيل ديو” في منطقة الأشرفية في بيروت حيث نُقل جثمان المطران الراحل غريغوار حداد إثر وفاته. وأضاء المشاركون الشموع هناك كتحية للراحل، ورفعوا صُوره التي كتب عليها كلمة “وداعا”، ولافتات حملت أهم أفكاره.
وكان التيار قد نعى المطران حداد ببيان جاء فيه:
“متى أدركنا ما في آلامنا من ثروة كبيرة… ننعم بحياة وفرح لا نهاية لهما”، هذا ما كتبه المطران غريغوار حداد مؤسِّس تيار المجتمع المدني في كتابه “تأملات روحية” مُتحدثاً عن حياتنا من خلال الموت. وبهذه الكلمات ننعي أخانا وصديقنا وشريك آلامنا وأفراحنا وهمومنا وقضايانا الانسانية. وندعو الى مسيرة لوداعه الأخير”.
– مسيرة الوداع الأخير:
انطلقت يوم الأحد 27/12/2015 مسيرة الوفاء والوداع الأخير لغريغوار حداد التي نظمها تيار المجتمع المدني تحت عنوان “وعدنا إلك…” من أمام مركز تيار المجتمع المدني في بدارو باتجاه وسط بيروت حيث أقيم جناز وصلاة لراحة نفسه في كاتدرائية مار الياس للروم الكاثوليك في ساحة النجمة.
وقد سبق انطلاق المسيرة إلقاء الناشطة رنا نجار كلمةً باسم تيار المجتمع المدني من أمام مركز التيار في بدارو، جاء فيها:
“بإيام السلم لفّيت كل لبنان لتشتغل على تنمية المناطق وعا نشر الفكر العلماني واللاطائفي والإنساني، وحاولت تجمع الناس عا قضاياهم الانسانية مش على اختلافاتهم…
… بإيام الجهل والتجاهل كتبت عن العلمانية الشاملة وحقوق الإنسان وحرية المرأة، واشتغلت على المبادئ الانسانية يلي مآمن فيها على الأرض بين الناس… بعيداً عن التنظير.
… بإيام الحرب رفضت العنف ووحّدت الناس بمسيرات سلميّة جمعتهم على خطوط تماس المناطق لي كانوا يسموها شرقية وغربية، تا يرجع البلد يتوحد بهموم الناس مش بِمواجهات السلاح…
… بإيام التطرف والتخوين حاولت تفسّر إنه الدين ما قلو مطرح بدون محبة الآخر ومُسامحته – مين ما كان هالآخر – وإنو أهم وسيلة لترجمة الصلاة هي إنه نطور وعي وحياة الناس ونرتقي بمجتمعاتنا نحو الأفضل.
ولما ظروفك الصحيّة جبرتك تريّح جسمك، تمرّدت على المرض، ونزلت شاركت الشباب مُظاهراتهم وحلِمهُم ببلد علماني ديمقراطي ودولة ما بتميز بين انسان وانسان، ولما زاد المرض وتطوّر، كنت تتابع تحركات الشباب من غرفتك وتخاف عليهم وترفع من عزيمتهم، ولما تحسهم مُحبطين كنت تُنصحهم وتوجِّههم وتدعمهم معنوياً وتقلهم: “إنتو الصح ولو كنتوا قلال، مش يلي عم يمددوا لحالهم، والتاريخ رح يشهد على هل شي”، و”خليكم سلميين أحسن ما حدا يستغلكم” و”اصبُروا، هيدا العمل المدني بلبنان بيحتاج صبر كبير” و”إنتو شباب الغد، لازم تكونوا أقوى من العنف العم يتمارس كل يوم عليكم، إنتو يلي بمقدوركم تنظفوا البلد من كل الزبالة ..” .. وكنا عارفين عن أيا واقع عم تحكي وعن أي زبالة… هلق ما عاد فينا نستشيرك، لأن روحك صارت بعالم تاني بعيد عن عالم التناقضات يلي عايشينو…
فينا بس.. نحنا لي طوّرنا أفكارنا بمدرستك الإنسانية، وتمرّدنا عالفساد والطائفية… فينا بس نوجِّهلك تحية.. تحيّة على طريقتنا اليوم … وفاءً منا لكل شي عملتو غريغوار حداد. تعبت وكرّست حياتك كرمال تطوير الإنسان … هلق رح نكمل طريقك ورح نمشي كرمالك”.
وقد مرّت المسيرة في منطقة المتحف حيث التقت نعش حداد، وسارت وراءهُ حتى ساحة الشهداء حيث حمل الشباب النعش على الأكتاف ودخلوا به ساحة النجمة حيث الكاتدرائية التي استقبلت جنّازه. وقد ألقى الناشط فريد قمر كلمة تيار المجتمع المدني في الجنازة والتي جاء فيها:
“نحنا ما خسرناك. ما خسرناك ولا خسرنا أفكارك، لأن كلماتك بعدا محفورة بوعينا وبإيماننا بالتغيير رغم كل اليأس يلي عم بيحاولوا يزرعوا فينا. نحن ما خسرناك، لأن ما خسرنا محبتك يلي بتفوق الكراهيات المنتشرة بمحيطنا. لأننا متمسكين باللاعنف بعالم ما ترك للسلام مطرح. عالم بطّل فيه شي مجاني إلا القتل. ولأننا تخرجنا من مدرستك، يلي علمتنا نشتغل للقضايا مش للأشخاص، بوطن علقان بزعما اختصروا كل الوطن بمصالحن الشخصية. ما خسرناك، لأن ما رح تهزمنا الطائفية، وما رح نتنازل عن العلمانية الشاملة يلي بتأسس لوطن بيحترم الإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان.
نحن ما خسرناك، لأننا ورثنا إيمانك بأنو الإنسان وحده القيمة المطلقة، بزمن عم ينذلّوا فيه الناس لينالوا أبسط حقوقن الأساسية. اليوم خسرنا غريغوار الجسد، بس غريغوار بروحه وبفكره رح يبقى يلهمنا ويعطينا الأمل كل ما ضعفت عزيمتنا. ما رح ننسى شو كنت تنصحنا كل ما نجي لعندك محبطين: “إنتو الصح ولو كنتو قلال مش هيدول يلي عم بيمددو لحالن، والتاريخ رح يشهد على هالشي. خليكن سلميين أحسن ما حدا يستغلكن”. غريغوار حداد، منُوعدك بتيار المجتمع المدني إنو ما نخيبلك أملك، ونكون مناضلين علمانيين لاعنفيين، إنت يلي مشيت بطريق طويلة وصعبة لتطوير الإنسان، منُوعدك اليوم إنو نكمّل طريقك.
– أمسية تكريمية لغريغوار حداد:
شارك حشد من محبي المطران حداد في الأمسية التكريمية التي نظمها تيار المجتمع المدني مساء يوم الخميس 25/2/2016، بعد مرور شهرين على رحيله. وقد تضمنت الأمسية عرضا مُصوّرا لأهم محطات حداد في العمل المدني ومُلخّصا عن نشاطات تيار المجتمع المدني منذ العام 2001 حتى العام 2016. كما تضمن اللقاء قراءة أقوالٍ للمُكرّم الراحل وعرض مفهومي العلمانية واللاعنف اللذين رفعهما حداد وتبناهما تيار المجتمع المدني، وإطلاق أغنية خاصة تحت عنوان “تحية إلى غريغوار”، عزفها وأنشدها ناشطون في التيار. كما استعاد عدد من رفاق حدّاد، أمام الحضور، ذكرياتهم معه، وجرى في نهاية اللقاء توزيع كتاب “العلمانية الشاملة” الذي ألفه الراحل وكتاب “خطوة نحو المواطنة” المُهدى من تيار المجتمع المدني إلى حداد.
وعاهد ناشطو تيار المجتمع المدني، في نهاية اللقاء، المطران الراحل “متابعة المسيرة من بعده واستمرار العمل على توحيد جهود مختلف القوى العلمانية والمدنية واللاطائفية من أجل بناء دولة علمانية تخدم الإنسان، وتعمل على تأمين حقوقه المدنية والمعيشية خارج التمييز الطائفي والتبعية الإقليمية والدولية.
– المهرجان اللبناني للكتاب في انطلياس – دورة غريغوار حداد:
نظمت الحركة الثقافية – أنطلياس، في آذار 2016، المهرجان اللبناني للكتاب في سنته الخامسة والثلاثـين، والذي
أطلق عليه اسم “دورة غريغوار حداد”. وعن تسمية الدورة، قال أمين الإعلام في الحركة الثقافية الدكتور عصام خليفة إنّ “غريغوار حداد شخصية مهمّة جدّاً، وبالتحديد في هذه المرحلة في ظلّ الأفكار الدينية المتطرّفة بأشكالها كافة، فهو من أهم الرجالات الذين عملوا من أجل علمنة الدولة والمجتمع من موقع رجل الدين” واضاف “الفكر الذي ندعو إليه هو الفكر العلماني، فكر غريغوار حداد، الذي كان يقول إنّ العلمانية لا تناقض الدين”.
وقد استقبل المهرجان ندوة حول المطران حداد يوم 18 آذار 2016 استهلت بعرض أغنية “تحية إلى غريغوار”، ثمّ بكلمات للدكتور شبيب دياب الذي أشار إلى أنّ العلمانية من المفاهيم الأهم التي ارتبطت باسم غريغوار حداد والتي اعتبرها الوسيلة الفضلى لتحرير الدين من الشوائب التي ألحقها به الانسان، فقد كرس له أكثر من كتيب وذلك لإزالة الالتباس الحاصل في المفهوم وضرورة توطينه بعد أن أسيء فهمه وأخذ أبعادا مختلفة من بلد إلى آخر. وقد أضاء الدكتور دياب على الأنشطة التي أطلقها الراحل. من جهته تحدث الأستاذ ميشال توما عن بدايات حداد في السلك الكهنوتي، أما الأستاذ نصري الصايغ فقد اعتبر أن حدّاد أخرج “العلمانية من لاهوتها وأنزلها من مرتبة الفوق ووضعها في مكانها التاريخي، فهي مبنية على العلم التجريبي فقط. العلمانية من الزمنيات وهي ليست مع أو ضد الدين، هي في الحياد التام عن الدين، وانحياز تام للحياة والمجتمعات والإنسان كل الإنسان، أيا كان وعلى أي هيئة أو دين أو كيان.
وقد أدارت هذه الندوة الدكتورة هدى رزق حنا.