تحقيق غيدا فياض وخلود ابراهيم
الناشط المدني فادي الصايغ …. والتغلب على الإعاقة.
رابط نشرة تواصل مدني: Tawasol Madani 10
فادي الصايغ، ناشط في قضايا الإنسان وحقوقه منذ ما يُقارب الخمس وعشرين عاماً من خلال اتحاد المقعدين اللبنانيين والعديد من الحملات المدنيّة. آمن بذاته وبإمكاناته.. فتحدّى نفسه وعزّزَ إرادته في سبيل العودة الفعالة إلى الحياة والمجتمع.
زارت أسرة “تواصل مدني” فادي في منزله وأجرت هذا التحقيق.
“حيث هناك إرادة، هناك وسيلة” (لينين)
قصّة فادي بدأت في العام 1982 حيث كان مُحبّاً للعمل التطوعي وناشطاً في مساعدة الآخرين من خلال تطوعه في الدفاع المدني. فجأة تعرضّ لحادث سـقـوط قـلَبَ حياته رأسـاً
على عقب، كسر عنقه وتعرّض لشللٍ رباعيّ، وزاد الطين بلّة تقصير الأطباء في علاجه الفيزيائي مما أدّى إلى إصابته بتّكلس فأصبح جسده مُتصلّبا، ما جعله حبيساً لكُرسيه المُتحرّك وما حوّله مِن إنسان حيوي، نشيط، يساعد الآخرين، إلى إنسان بحاجة لمساعدة اللآخرين ليقوم بأي وظيفة حياتيّة.
دخل تجربة حياة جديدة بكل تفاصيلها، فظل لأكثر مِن عشر سنوات مرّت مِن يوم الحادث يستعين بالآخرين لإستكمال حياته. مع الأيام، بدأ يُفكّر بطريقة يستردُّ معها إستقلاليّته من جديد ويتغلب على إعاقته، فبحث وأوجد الحلول بنفسه للمشكلات التي تواجهه، كالصعود إلى السرير، الإستحمام، إرتداء الثياب، الصعود إلى السيّارة، وحتى العيش باستقلال كامل.
بِرأي فادي، مراكز التأهيل في لبنان لا تعمل على مساعدة المعاق بالعودة إلى حياته كما يجب، بل تعزّز لديهم الخضوع والإتكالية على الآخرين وخاصّة لدى ذوي الإعاقات الصعبة.
كثيرون نبّهوه من صعوبة العودة لحياته السّابقة، إلاّ أنّ إصراره وإيمانه بذاته وقدراته وإمكاناته مكنه مِن العمل على البحث عن حلول لكل وظيفة عضليّة ميكانيكية خسرَها، عبر ابتكار آلي ميكانيكي.
استفاد مِمّا تعلّمه في المدرسة مِن مبادئ فيزيائيّة وهندسيّة، واستعمَلها في ابتكار أدوات سهّلت عليه حياته وحقّقت حلمه في إستعادة الجزء الأكبر من استقلاليّته.
عندما تدخل منزل فادي الذي صممه بنفسه، تشعر بلمساته الإبداعية في كل زاوية.
مِن مُخترعاته جهاز يُمكّنه من الصعود إلى سريره، وتقنيات خاصّة في الحمّام تسهل عليه تحركه، كما وجعل مطبخه مناسباً لحالته (مغسل بلا خزائن، طاولة بلا أرجل وغيرها..)، أضف إلى ذلك رُفوف مُتحرّكة يستطيع الوصول إليها بنفسه بسهولة. أما خارج المنزل، فقد ابتكر فادي جهازاً لسيارته يُمكنّه من الدخول اليها ورفع كرسيه إلى أعلى السيّارة دون مساعدة أحد. بالمختصر، وجد فادي حلاًّ لكل صغيرة وكبيرة ليتمكّن من العيش والتنقل بمفرده دون الحاجة إلى مساعدة أحد.
لم يقف عند هذا الحد، بل انتقل من مرحلة تطوير قدراته، إلى المساعدة في تطوير قدرات من حوله من ذوي الإحتياجات الإضافيّة بابتكار واستحداث الوسائل المُمكنة التي تسهِّل حياتهم، وتمكنهم من الاعتماد على أنفسهم أكثر فأكثر.
لقاؤنا الأول بفادي كان في إحدى الإعتصامات المطالبة بإقرار قانون انتخابي عصري للانتخابات. فمع بداية التسعينات، وفي زمن إحباط الشباب اللبناني، انتقل فادي إلى استحداث الحلول على نطاق أوسع وذلك من خلال خدمة القضيّة الإنسانية في لبنان وحمل هموم الناس، فسخّر جزءاً كبيراً من عمله التطوعي في البحث عن الحلول الممكنة على الصعيد الإنساني والوطني، وبدلاً مِن أن يكون جزءاً من المشكلة، كان أول المؤمنين بيننا أنّ التغيير يحتاج لوقتٍ وتعبٍ ومجهودٍ بالإضافة إلى الإرادة والمشاركة واستثمار الطاقة، في بلد يئِس شبابه من إمكانية تحقيق هذا التغيير.
أثبتَ فادي لنا أنّ الإعاقة لا يمكن أن تقف في وجه العزيمة والإصرار وأنّ كل شيء قابل للتغيير وإن بعد حين.
شارك فادي مع اتحاد المقعدين اللبنانيين في بث رسالته الإنسانية في وطن لم يكترث سياسيوه لحقوق مُواطنيهم فيه، فطالب مع رفاقه في الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابي وفي الحراك المدني للمحاسبة بإقرار الإصلاحات الإنتخابية بِدءاً بإقرار قانون انتخابات نسبي وخفض سن الإقتراع وتأمين إمكانية الإقتراع لذوي الإحتياجات الإضافيّة والمطالبة بالحقوق المعيشيّة للمواطن المُهمَّش.
يختمُ فادي لقاءنا معه برسالة للشباب اللا طائفي حيث يقول:
“تعلمت مِن تجربتَيّ الشخصية والعامة، أنْ الاستسلام ممنوع، والموت هو في الاستسلام، فكل انسان يستطيع خلق التغيير وتخطي الواقع بإرادته الفرديّة أولاً، وبعمله التشاركي ثانياً، والتغيير لا يحدث فجأة، فضربة الفراعة لا توقع الشجرة، بل يحتاج الأمر إلى عدة ضربات، وهكذا في تغيير نظامنا الطائفي، هو أيضاً يحتاج مِن كل مؤمن بالاصلاح أن يُعيد ثقته بصَوته وبامكانيته على التغيير كي نصل إلى هذا التغيير!”.
Related