شارع طائفي بوجه شارع طائفي، وعنف مُولِّد لعنفٍ أكبر. بهذا السيناريو تستعيد القوى الطائفية حيويتها في لبنان، وتُجيِّش مجدداً جماهيرها في خدمة مصالح لا يمكن أن تخدم بأي شكل من الأشكال تحقيق عدالة، أو كشف جرائم طالت الوطن والإنسان، أو إخراج شعب من ضائقة أوصلته إليها الطبقة السياسية بفعل الفساد والمحاصصة الذي مارسته طوال سنوات. وبالطبع، في ظل هذا الواقع الذي تفرضه هذه القوى، يصبح تعميم فكر وثقافة المواطنة داخل الوطن أمراً خارج الأولويات.
شهدنا بالأمس مشهداً مصغراً من مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية في إحد شوارع بيروت، مشهداً مُداناً ومرفوضاً بكل المعايير، مشهداً يؤكد مُجدداً حقيقة أن المنظومة الطائفية لا تولد سوى الأزمات والحروب والإفلاس السياسي والمالي.
إن تيار المجتمع المدني، إذ يشجب اللجوء إلى العنف بين اللبنانيين بكل أشكاله من منطلق اعتباره الإنسان قيمة مطلقة، يدين إطلاق النار الذي حصل يوم الخميس الماضي، وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى كان يمكن تفادي سقوطهم، كما يدين مشهد التحريض والاقتتال الذي تتحمل السلطة السياسية والقوى الطائفية بصورة مباشرة مسؤوليته، إضافة إلى مسؤولية القوى الأمنية التي لم تضع خطة استباقية لتلافي الاقتتال. ويلفت التيّار إلى أن تلك الأحداث التي ذكّرت اللبنانيين بأجواء الحرب المشؤومة، حصلت على أبواب الذكرى الثانية لانتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، تلك الانتفاضة التي سعت، ولا زالت، سلطة القهر والفساد إلى خنقها وإسقاط مفاعيلها التي شكّلت حُلُم عموم المواطنين والمواطنات في هذه الدولة التي تشهد سقوطاً مدوّياً على كل الصعد كنتيجةٍ طبيعيّة لآداء المنظومة الحاكمة على مدى أربعة عقودٍ من عمر الوطن.
ويعتبر تيار المجتمع المدني أن على القوى العلمانية والمدنية واللاطائفية على الساحة الوطنية أن لا تقف متفرجة أو تكتفي بالإدانة، بل عليها أن تلعب دوراً أكبر في ظل كل ما يجري. وتبادر، في مواجهة المنظومة الطائفية وممارساتها العنفية واللاقانونية، إلى إطلاق الخيار البديل المتمثل بـ “الحراك المدني اللاعنفي”، الذي يحمل آمال وأمنبات كل مواطن يريد بناء الدولة وكل إنسان أصيب أكثر فأكثر بالقرف والإحباط بعد الأحداث الأخيرة.
على هذه القوى إطلاق حراك يعيد مفهوم “القوة” إلى حقيقتها حيث هي قيمة إنسانيّة وفضيلة، وحيث هي ضد الضعف، وضد التخاذل وعدم مقاومة الشر، ولكن الأهم أنها قبل كل شيء ضد العنف الذي تمارسه السلطة والذي يمَس الحياة، الحرية، العدالة، المساواة، الحقيقة، النمو، الطمأنينة، والسلام، لأن هذا العنف هو مَسٌّ بقيمة الإنسان المُطلقة، كلياً، أو جزئياً في أحد أبعاده أو حقوقه الأساسية، ولأن هذا العنف لا يودي بالبلاد سوى إلى الحروب الداخلية والتقسيم.
إنّ تيار المجتمع المدني يعتبر نفسه مسؤولاً، ولو بشكل غير مباشر، كما القوى العلمانية والمدنية واللاطائفية في لبنان، عن نتائج أحداث الطيونة، لغيابه وغيابها عن المواجهة الحقيقية بطرح المشروع المدني العلماني الجامع والبديل، في إطار حراك لاعنفي من شأنه أن يقف إلى جانب كل مواطن يريد الأمن والعيش الكريم في بلده، مشروع يواجه العنف المستشري والمُتمادي في البلاد.
17/10/2021
تيار المجتمع المدني