إعداد أديب محفوض وعلي الحمود
العدد 23 من مجلة تواصل مدني عن شهر آب 2018
مكتبة عامة
لا شكّ أن مهنة “أمين مكتبة” ليست وليدة عصرنا هذا، بل هي من المهن الغائرة في القِدم، حيث مثّل “توت” النموذج الأوّل لأُمناء المكتبات في مصر القديمة، وكذلك الأمر بالنسبة لأوّل أمينة مكتبة، زوجته “خاتور”. ففي تلك العصور كانت تُناط مهمّة أمين المكتبة بنخبة المجتمع من العُلماء والمُثقّفين.
أرتبط تاريخ المكتبات بالشرق القديم بسبب الحضارات القديمة التي نشأت فيه، حيث وردت كلمة دور الكتب في نصوص مصرية قديمة كتلك التي عثر عليها بين أطلال الكرنك بالأقصر. وفي بابل عُثِر في مكتباتها على آلواح تضم أعمالا في اللغة والشعر والتاريخ وغيرها من الفنون، وكان يقوم على حفظ موادها أمين خاص يسمى “رجل المحفوظات”. وقد أبرزت الحفريات الحديثة فى بلاد ما بين النهرين للعيان ألواحًا من الطين عليها كتابة ترجع إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتُعتبر أقدم هذه الألواح من الوثائق التاريخية المتجمعة فى أماكن خاصة من المعابد والقصور، والتى تعتبر بداية نشأة المكتبات. وبالإضافة إلى حفظ الموروث الأدبي والفكري، كانت الغاية من إنشاء المكتبات القديمة حفظ الوثائق والأرشيف على أنواعه.
ومع اكتشاف الطباعة وانتشارها، أخذت المكتبات تنتشر وتتوسّع، إلا أنها ، وإن خُصّصت في معظم الأحيان لأهداف نبيلة، لم تُفتح لاستقبال عموم الناس، بل لرُبما في أحيانٍ كثيرة أفادت السلطة الحاكمة التي سخّرتها لغاياتٍ تخدم وجودها واستمراريتها. وصولاً إلى العصر الذي أخذت فيه الثورات السياسية والصناعية تندلع في أوروبا في القرن التاسع عشر، فأخذت المكتبات العامة تقوم بمسؤولياتها في خدمة كافة الرواد وأصبحت المكتبة المكان الذي يفيد الجمهور في مختلف المجالات العلميّة والثقافيّة.
أهداف المكتبات العامة
تسعى المكتبات العامة إلى تحقيق جملة من الأهداف التي تخدم الفرد والمجتمع، وبالتالي تسهم في تطوّر مسيرة التقدّم العلمي والثقافي للمجتمعات التي تُدرك قيمة الكتاب والثقافة والبحث العلمي. فالمكتبات العامة، بالإضافة إلى تشجيع أفراد المجتمع على المطالعة والإستزادة الذاتية في مجال الثقافة والأدب والفكر وغيرها، بما تحتويه من كتب وما تنظّمه من معارض، فهي مصدرُ اساسيُّ للمعلومات والثقافات والخبرات المُستوحاة من العصور على امتدادها، بما تتضمنه بين رفوفها من كتبٍ ومراجع. والمكتبات العامة هي البيئة المُناسبة للتحفيز على المطالعة والبحث وبالتالي الإبداع، حيث تؤمّن المستلزمات الكافية للبحث العلمي السليم ذات المعايير الموثوقة. كما يُمكنها أن تكون المكان المُناسب لترسيخ ثقافة المواطنة من خلال ما يُمكن أن يُنفّذ فيها من أنشطة وندواتٍ ولقاءاتٍ تُعزّز التواصل والتفاعل الثقافي والفكري بين نُخب المجتمع. ولا ننسى أبداً أن المكتبات العامة تفتح أبوابها أمام العموم من دون مقابل مادي، ما يرتقي بها خارج إطار النفعيّة الماديّة، ويمنحها طابعاً إنسانيّاً يرتقي فوق المصالح الماديّة والتجاريّة.
مكتبات لبنان العامة
استناداً إلى إحصاءات وزارة الثقافة، يوجد في لبنان حوالي 125 مكتبة عامة موزعة على كافة المناطق اللبنانية. تتبع هذه المكتبات في أغلب الحالات إلى البلديات التي تموّلها وتنفق عليها وتتلقى الدعم من جمعية السبيل ومن وزارة الثقافة وخاصة مراكز المطالعة والتنشيط الثقافي التي أنشئت في العام 2001 بالتعاون بين الوكالة الدولية للفرنكوفونية ووزارة الثقافة وعدد من البلديات، كما يوجد بعض المكتبات التابعة لمؤسسات وجمعيات مختلفة كمكتبة المنى في طرابلس بإدارة مؤسسة الصفدي وغيرها..
ويبرز في مجال إدارة المكتبات العامة في لبنان ما تقوم به جمعية “السبيل”، وهي جمعية غير حكومية تأسست عام 1997 بهدف التشجيع على القراءة من خلال إنشاء ودعم والترويج للمكتبات العامة المجانية والمفتوحة للجميع في لبنان. وتدير الجمعية المذكورة المكتبات العامة لبلدية بيروت من خلال إتفاقية تعاون مع البلدية، وقد نجحت من خلال هذه الشراكة بافتتاح ثلاث مكتبات عامة موزعة على الأحياء التالية: الباشورة (2000)، الجعيتاوي (2004) ومونو (2008). تستقبل هذه المكتبات حوالي 30000 زيارة سنوياً وتعير حوالي 20000 كتاب، وتحتوي على ما يقارب 45000 وثيقة. والعمل في هذه المكتبات مُمكْنن بالكامل ويمكن للجمهور الإطلاع على محتواها بواسطة الأنترنت. فجمعية سبيل التي تنسق وتدعم شبكة مكتبات عامة تضم 25 مكتبة في مختلف المناطق اللبنانية، أسست وتدير مكتبة عامة متنقلة “الكتباص”، لتعمل مع الأطفال المهمشين في مختلف مراكز رعاية الأطفال، والمدارس الرسمية في بيروت وضواحيها الجنوبية والشمالية وكذلك في مناطق أخرى من لبنان، وفي السنوات الثلاث الأخيرة ونظراً للحاجة الكبيرة، عملت المكتبة المتنقلة مع اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
وبحسب المدير التنفيذي للسبيل ، الأستاذ علي صبّاغ، ما زال محتوى المكتبات العامة في لبنان حتى اليوم ورقي كالكتب، والدوريات وغيرها. وقليلة هي المكتبات التي أضافت الوثائق الرقمية، فمعظم المكتبات مجهزة بخدمة الانترنت، وأجهزة عرض سمعية-بصرية تستخدم في النشاطات المختلفة التي تنفذ في المكتبات.
ويحصُر الاستاذ صبّاغ الخدمات التي تؤمّنها المكتبات العامة في لبنان بثلاث مجالات، ومعظمها خدمات مجّانيّة،وهي التاليّة:
- الوصول الحر إلى المعلومات من خلال الوثائق أو الأنترنت
- إعارة كتب مجانية
- نشاطات متنوعة
وتواجه المكتبات العامة في لبنان صعوبات عديدة، من أهمها:
1- لا تواصل الكترونياً مثلا بين المكتبات الجامعية في لبنان وبين المكتبات العامة، ولا تواصل بين المكتبات الجامعية نفسها، ولا تواصل بين مكتبات الفروع داخل عدد من الجامعات، ولا سيما داخل الجامعة اللبنانية. يضاف إلى المشكلة تلك، النقص الحاصل في المهارات التقنية للعاملين في المكتبات.
2- الموارد دائما محدودة، وهذا يؤدي إلى نتائج عديدة منها:
– محدودية في عدد ساعات فتح المكتبة يومياً وسنوياً،
– عدم إعطاء بدلات الساعات الإضافية.
– مساحات القراءة والمقاعد قد تكون أحيانا غير كافية.
– أجهزة الكومبيوتر القديمة وعدم تغييرها بعد انقضاء ثلاث سنوات على استعمالها.
– لا يوجد عمل جدي لتطوير العديد من أدلة البحث.
3- قلة، بل غياب في بعض الأحيان لتدريب الموظفين العاملين في المكتبات على المهارات الأساسية في استخدام الكومبيوتر وتصميم المواقع الإلكترونية، والتواصل مع اختصاصيين في تكنولوجيا المعلومات.
4- ندرة التشبيك الاجتماعي، بالإضافة إلى المهارات الفنية التي يمكن الوصول إليها عبر ورش العمل.
5- عدم مواكبة المكتبات للتطور التكنولوجي الكبير، وعدم أرشفة كتبها وجعلها متوفرة إلكترونيا وورقياً في الوقت عينه.
6- إضافةً إلى أنّ هناك العديد من الإحصائيات التي دلت على أن عدداً كبيراً من المؤلفات المصفوفة فوق الرفوف عديمة الفائدة تحتل أماكن على حساب مؤلفات أكثر أهمية.
7- الاهتمام الواسع من قبل مُعظم الناس باستعمال الهواتف الذكيّة ووسائل التواصل الإجتماعي ما أدّى إلى الحد من اهتمام الأغلبية الساحقة بالقراءة التي هي أصلاً في حالة غياب عن أولويّات مواطني لبنان والدول العربية.
يُلاحظ المدير التنفيذي لجمعية “السبيل” الأستاذ علي صبّاغ أن الإقبال على المكتبات العامة في لبنان يختلف من منطقة إلى أخرى، فهناك مكتبات تعمل بشكل جيد ولديها عدد كبير من الروّاد وأخرى تعاني من قلة الروّاد.. بالإجمال فإن هذا القطاع يعاني من عدة مشكلات بعضها له علاقة بالدعم المادي، وآخر له علاقة بالوضع الوظيفي غير المستقر للعاملين في هذه المكتبات والذين يتبعون لنظام التعاقد في معظم الحالات، بعضها لها علاقة بنظرة القييمن على المكتبات وفلسفة عملها بحيث يتم التركيز على أنها مكان للكتب والمطالعة فقط مما يبعد الجمهور عنها، وهناك مشكلة بإبتعاد الجمهور عن المطالعة، وكما أشرنا سابقاً، فأن إنتشار الهواتف الذكية وسهولة الوصول إلى المعلومات من خلالها كان له تأثيراً سلبياً على ارتياد هذه المكتبات. ومع ذلك فإن العديد من المكتبات أستطاعت أن تستمر في العمل على شكل جيد بالإعتماد على النشاطات الثقافية المختلفة التي تنظمها دورياً كساعة القصة، نوادي القراءة، نوادي السينما، نوادي المناظرة، المحاضرات وغيرها.. حيث بات التنشيط الثقافي جزءاً لا يتجزأ من عمل المكتبات وأصبح يلعب الدور الأهم في جذب الجمهور إلى المكتبات.
المراجع:
– مفهوم المكتبة وتطورها التاريخي ، رضوان البركاني، منتديات ستار تايمز..
– موقع يا صور .
– موقع المستقبل.