مؤمنون بالمسيح يوجهون كتابًا مفتوحًا إلى عون وجعجع

0

كتبت في العام 1989 (خلال حرب الإلغاء)

         يا أخانا  ميشال عون ويا أخانا سمير جعجع،

         نحن بعض المؤمنين بالمسيح في لبنان، نحاول أن نعيش وفق إنجيله ونعترف أننا مقصرون دائمًا تجاه متطلباته، لا نمثل إلا أنفسنا، ونحترم رأي الجميع.

         نحن نتألم مع جميع المواطنين من كل ما يجري في لبنان منذ 15 سنة من الحرب والتقتيل والتشويه والدمار والتقسيم والأخطار التي لا تزال تهدد المواطنين.

         ونتألم، علاوة على ذلك، بسبب ممارسات الذين حملوا السلاح وقاتلوا وقتلوا وانقتلوا في السنتين الأخيرتين وبسبب ممارساتكما بالذات.

         يا أخوينا في المسيح،

         نأمل أن تقرأا هذه الكلمات النابعة من إيماننا بالإنجيل وتقررا الواجب.

         إن كنتما مسيحيين، فالمفروض أن تستوحيا ممارساتكما الشخصية والسياسية والعسكرية من المسيحية. والواقع أن أحدكما يعلن ذلك للملأ (جعجع)، عندما يحدد نفسه، في المؤتمرات الصحفية “قائدًا مسيحيًا”، ولا يخفي ذلك الثاني (عون) في المقابلات التي اشتركنا فيها مع غيرنا.

         وقد أصبحتما، أو جعلتما، عن إرادة وتصميم، أو بسبب تطور الأحداث موضوعيًا وواقعيًا، زعيمين “مسيحيين” أو زعيمين لقسمين من المسيحيين أو المنطقة المسماة “البلاد المسيحية” في الإعلام الغربي أو المنطقة “المحررة” أو “المجتمع المسيحي” في أعلامكما.

         وقد توصل تنافسكما في هذه المنطقة بالذات إلى حروب قاتلة ومدمرة للمسيحيين وأملاكهم مع نتائج مأساوية لم يسبق لها مثيل.

         نحن لا نخاطبكما على المستوى العسكري لنقول لكما أوقفا إطلاق النار حرصًا على من لم يقتل بعد أو لم يشوه أو لم يخرب بيته وأملاكه، ولا نخاطبكما على المستوى السياسي لنقدم لكما حلا قادرًا على تثبيت وقف إطلاق النار، ولا نريد أن نقابل بينكما لمعرفة من هو المسؤول الأول أو الأكبر عما يجري، ومن الذي بدأ بإطلاق الرصاصة الأولى في “حرب الأخوة” ومن الذي بدأ هذه المعركة أو تلك.

         ولا نقول لكما أن تكفا على كل حال، وأيا يكن المسؤول الاول، لأن الشعب لم يعد يحتمل آلامًا وخسارات، والبلاد لم تعد تتحمل هزات وتقسيمات وانقسامات، فهذا قاله لكما غيرنا من المسؤولين والمعانين، فلن نضيف إلى ما قالوا شيئًا.

         إنما نريد أن نخاطبكما على المستوى المسيحي، انطلاقًا من إيمانكما وإيماننا بالمسيح الواحد الذي نريد “هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد” (عبرانيين) والذي لم يتغير إنجيله ولم يتحرف والذي نستقي منه التعاليم والقيم والأهداف التي توجه حياتنا وممارساتنا، لنقول لكما، كمسيحيين مؤمنين، أننا نعاني منكما ومما تسببتما فيه ونخاف على المسيحية والمسيحيين، بل على تشويه وجه المسيح بسببكما وبسبب ما رسخ في ذهن الناس عامة والمسيحيين خاصة من خلط بين السلوك والعقيدة.

         ونشعر منذ زمن طويل بضرورة الشهادة أمامكما وأمام المسيحيين وجميع المواطنين بل والعالم بأسره. والآن لم نعد نسمح لأنفسنا أن نبقى صامتين. لم نعد نسمح لأنفسنا إلا أن نقول:

         “إنه ما هكذا تعلمنا من المسيح والمسيحية” (أفسس 4/20)

أولاً: تعلمنا أن المسيح لم يرد ان يؤسس مجتمعنا مسيحيًا مدنيًا وسياسيًا، ولم يطلب من رسله وخلفائه أن يؤسسوه، وقد قال لبيلاطس عند محاكمته: “ملكوتي ليس من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان أتباعي يحاربون عني، لئلا أسلم إلى اليهود ولكن مملكتي ليست من هنا” (يوحنا 19/36)

ثانيًا: لقد أراد المسيح أن يؤسس، لا مجتمعًا مدنيًا ضمن مجتمع مدني، ولا مجتمعًا سياسيًا تكوّن أنظمته وسياسته وسلطته، جماعة اسمها الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية.

         وقد كانوا يقولون في أواخر القرن الثاني (الرسالة إلى ديونييت سنة 210) ما ملخصه: “أن المسيحيين يشعرون أنهم في وطنهم أينما وجدوا ويشعرون أنهم ليسوا في وطنهم الحقيق أينما وجدوا، لأن وطنهم الحقيقي والنهائي هو ملكوت السماوات” لذلك نحن نؤمن، انطلاقًا من الإنجيل، أن تأسيس “مجتمع مسيحي” و”وطن مسيحي” و”قومية مسيحية”… إنما هو مناف لإرادة المسيح، وهو منافسة غير شرعية للكنيسة من جهة وللمجتمع المدني من جهة أخرى.

         وعلينا، نحن المسيحيين أن نأخذ مسؤوليتنا الإجتماعية والوطنية، ضمن المجتمع اللبناني المدني الواحد لجميع سكانه، بدون أي تمييز او امتياز لأحد على أحد ولا لفئة على أخرى.

ثالثًا: تعلمنا أن المسيح لم يرد أن يؤسس جيشًا ولا ميليشيا وقد كان بين تلاميذه اثنان من “ميليشيا” الغيورين Zélotes المنظمين لمحاربة الإستعمار الروماني، فجعلهما يكتشفان، مع باقي الرسل، أنهم لا يحق لهم أن يستعملوا العنف. وقد قال لبطرس الذي استل سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة: “يا بطرس، أغمد سيفك، فإن من يأخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ” (متى 52:26)

         ولم يطلب المسيح من رسله وخلفائه أن يؤلفوا ميليشيا او جيشًا للدفاع عن المسيحيين بل قال لهم: “تكونون لي شهودًا حتى أقصى الأرض”، “أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم” “أعلنوا بشارتي للناس أجمعين”.

         لذلك فنحن نعتبر كل جيش أو ميليشيا تقام للدفاع عن المسيحيين والمسيحية في لبنان إنما هو ضد الإنجيل والمسيح. وأن سوط المسيح في الهيكل كان لطرد الحيوانات. أما البشر، فكان كلامه القاسي لهم اكثر وقعًا من السوط لتوعيتهم: “إن بين أبي بيت صلاة وأنتم جعلتموه مغارة للصوص”

رابعًا: تعلمنا من المسيح أنه لا يحق للمؤمنين أن يقبلوا بسلطة وزعامة عليهم باسمه وباسم المسيحية. “تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم، اما انتم فلا يكن فيهم هكذا. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون فيكم الأول فليكن لكم عبدًا. فإن ابن البشر (المسيح) لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فداء عن البشرية”. (متى 20/25/27)

         فالسلطة المدنية والسياسية والعسكرية باسم والمسيحية هي ضد المسيح وإنجيله. والسلطة الروحية في الكنيسة، التي ليست خدمة وبذل ذات هي ضد المسيح وإنجيله. فلا يرضى المسيح أن يحاول إكليركي او علماني باسمه السيطرة على إخوته: “لا تدعوا لكم على الأرض سيدًا ولا أبا ولا معلمًا، فكلكم أخوة” (متى 23)

خامسًا: تعلمنا من المسيح أنه لا يحق لنا أن نهاجم ولا أن ندافع عن انفسنا بالسلاح القاتل لا ضد القريب ولا ضد الغريب. “سمعتم أنه قيل: العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول الآخر” (متى 5/38-39). وبولس الرسول يضيف: “لا تنغلب للشر، بل اغلب الشر بالخير (روم 12/12)

         لا يعني ذلك أنه ليس علينا أن ندافع ونقاوم عن أنفسنا وأملاكنا وبلادنا. ولكن يجب أن يكون “دفاعنا” ومقاومتنا، بالوسائل السلمية واللاعنفية.

         وحتى إذا بدت هذه الوسائل ضعيفة أمام العنف (وهي ليست كذلك واقعًا) فليس من كلمة في الإنجيل تبرر قتل إنسان لأي هدف مهما كان ساميًا ومقدسًا.

         وإذا كان بعض المسؤولين في الكنيسة قد برروا تاريخيًا الدفاع عن النفس بالسلاح وبرروا “الحرب العادلة” والإنخراط فيها، وباركوا السلاح المستعمل أو المزمع استعماله فيها، فهذا ليس من الإنجيل بل من تحاليل فلسفية سياسية المسيح منها براء.

         يجب فعلاً أن نعرف كيف ندافع عن لبنان مع غيرنا من اللبنانيين بالوسائل اللاعنفية الكفيلة وحدها أن تحقق الهدف بدون التخلي عن المبدأ. قد تكون صعبة وطويلة النفس ولكنها أقل صعوبة من الحروب الشرسة التي تقتل النفوس بعشرات الآلاف.

         ويجب أن ندافع فعلاً عن مسيحيتنا، ولكن بالشهادة لها في حياتنا وأقوالنا. ونحن نعتقد أن المسيحية ليست بخطر بسبب هجوم ديانة أخرى عليها، والمسيحيون ليسوا بخطر بسبب مواطنين آخرين يريدون إبادتهم. وقد ظهر ذلك جليًا في مرحلة الحرب الأخيرة حيث أصبح “أعداء الإنسان (المسيحي) اهل بيته (متى 20و 36) لا الغرباء”.

سادسًا: لذلك كله نعتبر أن هناك شعارات أطلقت في الحرب، أريد لها ان تكون ذا وجه مسيحي لتستقطب المسيحيين ولكنها ليست مسيحية بحسب إنجيل المسيح. ومنها:

“أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار”.

وردا على هذا الشعار نقول:

أولا: يجب إلا يتكون مجتمع مسيحي بالمعنى القومي أو العسكري للتعبير، ضمن المجتمع المدني، وقد شرحنا سابقًا المرتكزات التي تؤسس اعتقادنا هذا.

ثانيا: لا يجوز أن يكون أي أمن فوق كل اعتبار إنساني أو اخلاقي أو ديني. لأنه سرعان ما يصبح لا إنسانيًا ولا أخلاقيًا ولا دينيا. فالغاية الجيدة لا يمكن أن تبرر أية وسيلة سيئة.

“توحيد الصف المسيحي لتوحيد لبنان” وعليه نقول:

أولا: التعددية السياسية من متطلبات المسيحية ومتطلبات الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان. وكل مجتمع منع التعددية منع الحرية واستعمر القرار ورأي الناس.

ثانيًا: توحيد البندقية المسيحية، إذا كان تسلطًا على قرار المواطنين من مسيحيين او غيرهم يرجع الخداع الذي بدأت به الحرب يوم كان غسل الدماغ يجعل المسلمين والمسيحيين يظنون أنهم في حرب دينية. وأننا لنحمد الله أنه قد تكشفت الأوراق الآن فيما اتخذت الحرب اللبنانية الدائرة منذ 15 سنة صفات عديدة تبدلت وتغيرت بحسب تبدل الظروف والأوضاع.

ثالثًا: في كل مرة أطلق شعار التوحيد على أي قاعدة كانت، سياسية أو عسكرية باسم طائفة من الطوائف كان ذلك مناسبة لإنقسامها على ذاتها.

         يا اخانا ميشال عون ويا أخانا سمير جعجع

         معاناتنا الإضافية بسببكما تأتي من أنكما محورتما حول شخصيكما المعركة بين المواطنين المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة فأطلقت من هنا وهناك التأويلات والشعارات الملتبسة الخاطئة بحسب الإنجيل. فمطلبنا المسيحي الصرف، لأننا من هذا الموقع فقط نخاطبكما، المنطلق من إيماننا (وقد يكون إيماننا مشتركًا بيننا وبينكما) هو ان تقررا أمرين:

إما أن تكونا مسيحيين مؤمنين بمتطلبات الإنجيل فتمتنعا أن تكونا أو تظهرا كزعيمين مسيحيين على المسيحيين، تدافعان عنهم أو عن المسيحية، وأن تمتنعا عن استقطاب المسيحيين باسم المسيحية.

أو أن تعلنا أنكما زعيمان لبنانيان سياسيان وعسكريان بدون أية متطلبات مسيحية لكما ولآرائكما السياسية ومشروعكما للبنان المستقبل، وأن تصلا بسرعة إلى طاولة المفاوضات مع باقي القوى السياسية والعسكرية في لبنان، للإتفاق على لبنان السلام والعدالة والحرية الذي نصبو جميعًا إلى تحقيقه.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.