كلمة المطران غريغوار حداد في ندوة ليبيا 1976

0

ندوة بإشراف الفاتيكان والجماهيرية الليبيةتحت عنوان: الجوامع المشتركة اللازمة لتأسيس حوار إسلامي مسيحي

جميعنا نريد نجاح هذه الندوة الأولى من نوعها وحجمها بين لقاءات المسلمين والمسيحيين في العالم.

جميعنا نريدها أن تكون أكثر من حدث تاريخي، كما هي فعلاً، بل بدء تاريخ جديد في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين قاطبة.

وإسهاماً في نجاحها وتجاوباً مع تمنيات رئيس الندوة الأستاذ أحمد محمد الشريف وزير التربية، أُقدِّم هذه المقترحات:

1- لا تُعتبر هذه الندوة حواراً دينياً بالمعنى الصحيح، لأن الحوار له شروطه ومقتضياته الذاتية والموضوعية التي لم تتوافر خلالها. وقد كانت أكثر الكلمات التي قيلت أبحاثاً ومناقشات ومرافعات ومدافعات أو مسايرات أو مجاملات أو مفاضلات أكثر مما كانت حواراً. لذلك أصبح الحوار حيرة أو ترواحاً في المكان الواحد وحلقة مفرغة، وقد طالب الأخ عز الدين إبراهيم الاتفاق على معنى الحوار. وهذا أول ما كان يجب البدء به.

2- ولكن أقترح أن تُعتبر هذه الندوة وتُسمى: “ندوة تعميم الحوار”- أو التحاور – الإسلامي المسيحي (والتحاور أفضل لأنها كلمة قرآنية، ولأنها تدل على عمل ديناميكي، بينما الحوار هو نتيجة التحاور)، فلقد جرت لقاءات حوار إسلامي مسيحي قبل هذه الندوة، ولكن لم يكن لها شمولها من حيث البلدان والاختصاصات والكفاءات والمذاهب الدينية والفكرية.

3- وفي سبيل تحقيق تعميم الحوار أو التحاور، يجب أن تنبثق لجنة من الندوة تضم أكبر عدد ممكن من مُمثلي المذاهب الدينية والثقافات والمدارس الفكرية، على أن يُدعى للانضمام إليها مُمثلون عن الهيئات الغائبة عن هذه الندوة، مثلاً من الجانب المسيحي: مجلس الكنائس العالمي.

4- لا يُدعَى فيما بعد إلى ندوة مماثلة بهذا الحجم، لأن من شروط التحاور الفعال: العدد الصغير من المشتركين، وتحديد المواضيع، ومشاركة الاختصاصيين فقط في موضوع الحوار. بل يدعى إلى ندوات بمواضيع مُتنوعة، في كل ندوة موضوع معين.

5- تنسيق عمل هذه اللجنة مع لقاءات الحوار الأخرى التي نشأت بين المسلمين والمسيحيين، في إطار دولة واحدة أو مجموعة دول، من أجل تجنب الازدواجية وهدر الطاقات والتنافس الذي لا يتلاءم مع روح التحاور الصحيح.

6- من المُستحسن أن تُنظّم الندوات المُقبلة بحسب ثلاثة أنواع من التحاور الديني التي تتلاءم مع المعاني الثلاثة للدين (والتي حدثت التباسات كثيرة حولها خلال هذه الندوة)، أي:

أ- تحاور ديني إسلامي مسيحي بالمعنى الحصري أو حول الوحي والإيمان والعقيدة والمعاملات. هذا لا يمكن إقامته إلا بين المُؤمنين الحقيقيين الذين يعيشون بوحي إيمانهم. لذلك من الأفضل تسمية هذا الحوار “تشاهداً” أي شهادة مُتبادلة لما يعيشه كل جانب وكل مؤمن.

ب- تحاور حضاري إسلامي مسيحي. أي حول الحضارة أو الحضارات التي انبثقت من الديانتين أو تلقحت بهما.

ج- تحاور مُجتمعي إسلامي مسيحي. أي حول القيم والمواقف والحلول الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي انبثقت أو تنسجم مع كل من الديانتين.

7- وانطلاقاً من هذا التمييز المُقترح بين الأنواع الثلاثة من لقاءات التحاور بالمستقبل، أقترح أن تخرج الندوة ببعض التوصيات أو المقررات، أقله على صعيد التحاور الديني والتحاور المجتمعي اللذَين دارت مواضيع الندوة حولهما:

• الشهادات الخمس كحد أدنى

فعلى صعيد التحاور الديني اقترح أن يتفق المُشتركون على صيغة إيمانية مُشتركة “كحد أدنى” من اللقاء الأكيد بين الجانبين يمكن الإضافة إليها في المستقبل كل قاسم مُشترك أو بالأحرى كل “جامع” مُشترك جديد.

واقتراحي المُتواضع هو هذه الشهادات المشتركة:

– نشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ولا كمثله شيء.

– نشهد أن الله أكبر، أكبر من كل ما سواه، لا سيما الأصنام والآلهة التي يخترعها عالم اليوم.

– نشهد أن الإنسان صورة الله، خليقة الله الكبرى، وخليفة الله في الأرض، والغاية التي من أجلها خُلق الكون وسُخِّر كل ما فيه، بل من أجله كان الأنبياء والرسل، وأن كل إيمان بالله لا يصبح إيماناً بالإنسان والتزاماً بقضاياه هو إيمان ناقص.

– نشهد أن المسيح، عيسى ابن مريم، كلمة الله ورسولٌ منه إلى الإنسانية جمعاء.

– نشهد أن محمداً رسول الله ونبي من الله للإنسانية جمعاء.

• الحوار المُجتمعي

أما على صعيد الحوار المُجتمعي، فأقترح أن تتخذ الندوة مواقف واضحة بالنسبة للقضايا التالية: (ليس من الضروري أن يتم الاتفاق التام حول القضايا الدينية الإيمانية لتُتخذ مُقررات مُشتركة على صعيد القضايا المجتمعية):

أ- القضية الفلسطينية وضرورة دعمها من كل المؤمنين المسلمين والمسيحيين على أنها قضية عدالة وحق، لا يمكن الوقوف منها موقف الحياد والادعاء بالإيمان الملتزم. ولذلك يجب شجب كل عمل يتنافى مع هذا الحق، كالمؤتمر الذي سيعقد في القدس بين المسيحيين واليهود.

ب- قضية تحرُّر الشعوب التي لا تزال تحت نير الاستعمار السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.

ج- قضية السلام ومعركة التسلح النووي، وجميع أنواع العنف والإرهاب في العالم.

د- قضية الأقليات العنصرية أو الدينية وضرورة إعطائها جميع الحقوق الإنسانية التي لباقي المُواطنين، لا سيما الحرية الدينية ومكافحة الإكراه في الدين، والتبشير بطرق تتنافى مع حرية الإنسان.

هـ- قضية المساواة الحقيقية ومكافحة جميع أنواع التفرقة العنصرية والطبقية والجنسية.

و- قضية قيمة الإنسان المُطلقة، ومُكافحة كل ما من شأنه أن يحط أو يُنقِّص منها.

• من أجل لبنان الجريح

ولا يَسعني وأنا قادم من لبنان إلا أن أُضيف بعض المقترحات الخاصة به: لبنان كان يعلن عن ذاته أنه بلد التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، وبلد التعاون والتفاعل الذي يمكن أن يُؤخذ كنموذج لباقي البلدان المُتعددة الأديان، بل كان يطمح أن يكون بلد الحوار الديني الإسلامي المسيحي بجميع أبعاده وإذ به يعيش عشرة أشهر من التقاتل، حتى الطائفي الديني البغيض منه، وكأنه رجع إلى عهد الصليبية أو عهد الجهاد (مع أن الصليبية لطخة في تاريخ المسيحية سيستنكرها اليوم كل مؤمن بالمسيح، والجهاد، كما قال الأخ العقيد معمر القذافي، لا يمكن أن يُفهم جهاداً ضد أهل الكتاب)، وأسمحُ لنفسي أن أقول إنّ بعض أسباب الأحداث الدامية في لبنان كان هذا الادعاء بالتعايش والتفاعل والتعاون والحوار دون الممارسة الفعلية ودون توفير شروط ومُقتضيات هذا التعايش.

فقد كان في لبنان خلط والتباس:

– بين الدين كإيمان وعقيدة وممارسة، والدين كمجتمعات وقبائل مُنغلقة على ذاتها ومُتصارعة.

– بين الدين والطائفية، أي مزج السياسة والمصالح الفئوية بالدين.

– بين المسيحية ولبنان.

– بين الإسلام والعروبة.

– بين الأحزاب السياسية ذات الأغلبية المسيحية أو الإسلامية من جهة والدين المسيحي والإسلامي من جهة أخرى.

– بين الخوف على الدين والخوف على المصالح والامتيازات الطائفية.

– بين البلدان العربية ومصالحها، والإسلام ومصالحه.

– بين البلدان الغربية ومصالحها، والمسيحية ومصالحها.

وكان هذا الخلط والالتباس بين هذه المستويات والقيم والقطاعات المختلفة يشكّل عقَداً نفسيةً عند البعض، لا سيما أبناء الشعب، وأمراً مقصوداً، مَدسُوساً، جزءاً من مُؤامرة عند البعض الآخر.

لذلك اقتراحاتي الأخيرة التالية:

أ- أن تعقد إحدى ندوات الحوار القادمة في لبنان، لكي تساعد على محو آثار “المحنة المأساة” التي عاشها المسلمون والمسيحيون في هذه البلاد.

ب- أن تقرر مساعدات للبنان لكي يصبح فعلاً أحد مُختبرات الحوار الإسلامي المسيحي، وذلك مثلاً:

– بإنشاء مركز دائم فيه للحوار المسيحي الإسلامي وللبحوث الإسلامية والمسيحية.

– بإنشاء دار للنشر تعنى بنشر نتاج هذا المركز وكل مركز مُماثل أو هيئة أخرى أو أفراد لهم نتاج على صعيد الحوار أو البحث العلمي الجدي.

– باختبار المقترحات التي وردت في أثناء هذه الندوة، مثلاً:

اعتماد علماء الدين كمستشارين دائمين في المعاهد الدينية العليا.

اعتماد كتب ثقافية دينية مُؤلفة بإشراف علماء الدين في الجانبين.

***

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.