إعداد باسل عبدالله وحلا ضاهر وسيما رسلانحُمِّلَت الجامعة الوطنية – جامعة شباب لبنان بمختلف فئاتهم الاجتماعية – في السنوات الماضية أكثر مما يُمكن أن تتحمله من تراكُم للهواجس الأمنيّة والمشاكل السياسية والشحن الطائفي الذي يعيشه الوطن، فعُلقت الانتخابات الطلابية فيها منذ سنوات، وغُيِّب حق الطلاب في ممارسة أبسط حقوقهم الديمقراطية في اختيار مُمثليهم في الهيئات والمجالس الطلابية. لكنّ إصرارَ طلابٍ مَدنيين على تطوير جامعتهم ورفض، بل، ومواجهة الواقع الطائفي المفروض عليهم وعليها، دفعهم إلى خلق الأرضيّات وابتكار الوسائل الأنسب للتعبير عن هموم وحاجات شباب جامعتهم، كلُ منهم على طريقته. فظهرت نوادٍ مدنيّة وثقافيّة فتيّة شكلت براعمَ جديدة بَنى عليها هؤلاء الآمال والأمنيات في مستقبلٍ أفضل لهم وأكثر ازدهاراً لجامعتهم.
العمل المدني في الجامعة اللبنانية مُتاح، رغم صعوبته، في ظل الحضور المُهيمن للقوى الطائفيّة التي تعكس واقع الانقسام السياسي الطائفي في لبنان. وقد نجحت نواد عديدة في فرض إيقاعها على ساحة الجامعة اللبنانية من بوابات الثقافة والعلمانية والحقوق المدنية.
كان لأسرة تحرير صفحة “تحقيق” جولة على أبرز هذه النوادي، فأجرت لقاءات مع طلاب ناشطين في كل من نادي “سما” ونادي “نبض الشباب” وحملة “الوضع مش طبيعي” تناولت من خلالها أهدافهم ونشاطاتهم وهيكليتهم والصعوبات التي تواجه عملهم.
نادي “سما” … بين الثقافي والحقوقي والمطلبي
تأسس نادي “سما”، كما تُطلعنا إحدى مؤسسات النادي الطالبة نانسي خطاب، المُنسقة العامة في النادي، في شهر آذار 2014، وتضيف “في ذلك الوقت، بدأنا مجموعة من 13 شخصًا في كلية الإدارة ومن بعدها انطلقنا إلى غير كليات”.
وعن أهداف وموضوع عمل النادي تقول: “موضوعنا وهدفنا أوّلاً كان خلق مساحة لجميع الطّلاب من مختلف الطّوائف والخلفيات للتعبير عن أنفسهم وجمعهم في هذا الإطار، من ثمّ قسمنا أهدافنا إلى أربعة، الفكرة العامّة هي التّساوي في الحقوق والواجبات عند جميع الأفراد بغضّ النظر عن هويتهم، إضافة إلى تفعيل دور الطّالب ورفع اسم الجامعة وتقدّمها، وأخيرًا تطوير المهارات الجامعيّة والفكر النقدي لدى الطلاب”.
أما عن كيفيّة تمويل نشاطات النادي، أجابت: “يتم التّمويل من ثلاثة مصادر، أوّلاً، من خلال الاشتراكات الطّلابية، ثانيًا، من خلال الاستفادة من رعاية بعض المحلات المحيطة بالجامعة لبعض النشاطات كالـ “Dunkin Donuts” والـ “Chocolate Bar” مثلاً، ثالثاً، من دعم مُتخرجي النادي ويُسمون “القدامى” فيقومون بتقديم بعض المساهمات الماديّة، إلى جانب تنظيم النادي لرحلات ترفيهية تُغذي بأرباحِها صندوقه”.
أما عن إطار عمل النادي فتجيب خطّاب بأنّ النادي يعمل حالياً في 5 كليات هي كليات الفنون والإدارة والهندسة والعلوم والآداب، ويصل صوت النادي من خلال النّشاطات الطّلابيّة المتنوّعة التي تختلف أهدافها باختلاف اهتمامات الطّلاب.
وعن العوائق التي يواجهها النادي تقول: “أبرز العوائق أمامنا: عدم وجود قانون في الجامعة اللّبنانيّة لتنظيم عمل النادي وحمايته … جميع الصعوبات تبدأ من هنا!”.
أما عن إنجازات النادي فتقول: “هي متنوعة، فعلى الصّعيد الرّياضي ننظم دورة تدريب أسبوعية في كرة السّلة بدأنا بها منذ 3 سنوات، يُقدمها أحد الطلاب المحترفين في اللعبة، وقد شارك في التدريب إحدى المرات لاعب الـ “NBA” “Anthony Bathalon”. وعلى الصّعيد الاجتماعي/الأكاديمي لدينا حملة مقايضة الكتب، أما على الصّعيد المطلبي فقد شاركنا في الطعن بقرار تعدّد الاختصاصات، إضافة إلى تنظيمنا نشاطاً في كلية الهندسة يتحدّث عن تاريخ الجامعة ودور الطّالب بمشاركة إميل شاهين أحد الطّلاب المساهمين بافتتاح الجامعة اللّبنانيّة، كما نُصدِر مجلة باسم النّادي يكتب فيها أساتذةٌ وطلاب، ومواضيعها فكريّة وثقافية وعلميّة، وننظم سنوياً أيضاً حفلة فنيّة كبيرة في اختتام السنة الجامعية في المدرج الروماني يشارك فيها أصحاب الأصوات الجميلة وكورال الجامعة، كما نظمنا نّشاطات خيريّة لمساعدة حالات معيّنة عامّة (تكلفة إيجار منزل، دعم أسرة فقيرة، علاج مريض الخ…).
بالنسبة لهيكلية النادي تقول نانسي خطّاب بأنّه يوجد في كلّ كليّة أعضاء وهيئة خاصّة تترشّح وتنتخب سنويًّا مؤلفة من رئيس ومسؤول إعلامي وأمين سرّ، وتضيف “نطمح بحصول انتخابات طلّابيّة في الجامعة، ونحن نمارس هذا الحق في الانتخاب داخل نادينا ونأمل بأن نمارسه على صعيد كلياتنا في القريب العاجل”.
نادي “نبض الشباب”، نادٍ علماني ومطلبي
تأسس نادي “نبض الشباب” منذ ثلاث سنوات في العام 2015. تحدثنا إلى رئيسه الحالي الطالب محسن الظاهر وسألناه عن النادي وأهدافه ومواضيع نشاطاته وسبل تمويلها وكيفية إيصال صوت النادي في الجامعة.
يجيب محسن الظاهر: “للنادي عدّة أهداف، أوّلها أن يكون فسحة بغياب الاتحاد الطّلابي ليؤكّد على أهميّة العمل الطّلابي ودوره، علماً أنه يتبنى فكرة العلمانيّة والعدالة الاجتماعية والمساواة. قام النادي بعدة نشاطات منها ندوات وحفلات فنية ملتزمة عديدة ومعرض الكتاب للطلاب، فمثلاً المردود المالي الناتج عن هذا المعرض يوضع في صندوق النادي، لكن غالباً ما تكون نشاطاتنا ذات تمويل ذاتي. أما عن إطار عملنا فنسعى إلى تغطية كافة الكليّات، لكن نشاطاتنا حالياً تطال كليتيّ الهندسة والفنون. ونصل إلى باقي الطّلاب عبر صفحتنا على الفايسبوك، ذلك إلى جانب البوسترز التي نعلقها في الجامعة. وقد تمكنا من إعطاء مجال للطلاب، من خلال نشاطات النادي، للتعبير عن آرائهم وجعلهم يشعرون بأنّ هناك أملاً في التّغيير”.
وبسؤاله عن العوائق التي يواجهها النادي يقول محسن الظاهر: “هي كثيرة، أهمّها الحصول على موافقة على نشاط ما، إضافة إلى المُضايقات عند تطرّقنا للمواضيع السّياسيّة، علماً أن ذلك لا يعني انحيازنا إنّما نتحدث بشكل عام”.
وعن هيكلية النادي يقول: “يتكون النادي من رئيس ونائب رئيس وأمين سرّ وأمين أرشيف ومسؤول علاقات، يتم انتخابهم كل سنة من خلال عمليّة اقتراع في انتخاب مغلق لأعضاء النّادي لمن يرغب بالتّرشح”.
أما عن انتخابات الجامعة المعلقة فيقول: “من الأساس نطمح للتّأكيد على أهميّتها فنقوم بنشر منشورات تحت هذا العنوان لأنه حق بديهيّ لنا، ومن سخرية القدر أنّ جِيلنا لم يخض تجربة الانتخابات بعد!”
هل تُغيِّر حملة “الوضع مش طبيعي” من وضع الجامعة اللبنانية؟
تأسست حملة “الوضع مش طبيعي”، كما تُطلعنا الطالبة رفيف سوني، إحدى مؤسسات النادي، في أواخر العام 2015، وموضوعها طلابية مطلبية، أما هدفها فهو إرجاع الوطنية للجامعة وجعلها جامعة موحدة لجميع الطوائف والديانات والعمل على وقف الفساد فيها. وقد انطلقت الحملة على الفايسبوك حين ضربت عاصفة البقاع، فصرح حينها رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين أنّ الوضع طبيعي في الجامعة اللبنانية وسوف تُستكمل الامتحانات بشكلها الطبيعي رغم العاصفة، فكانت ردّة الفعل حينها من بعض الطلاب أنّ الوضع مش طبيعي في الجامعة اللبنانية، فكانت الشرارة الأولى لإطلاق الحملة، فاستُحدثت صفحة على الفايسبوك وبدأ التواصل مع الطلاب عبر هذه الصفحة وانطلقت بعدها نشاطات الحملة، كما بدأ منذ ذلك الحين العمل في جميع كليات الجامعة اللبنانية وفروعها.
ولدى سؤالنا عن وسائل تمويل الحملة، أجابت: “نحن بشكل عام، ليس لدينا تمويل كبير للحملة، إنما يقتصر التمويل فقط على احتياجاتنا من المواد التي نستخدمها في نشاطاتنا (كالكراتين، والأقلام وغيرها…).
سألنا رفيف سوني أيضاً عن كيفية إيصال صوت الحملة إلى الطلاب فأجابت: ” أهم وسيلة لدينا هي مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً الفايسبوك”. أما عن العوائق التي تواجه الحملة فتجيب: “أكثر العوائق التي تواجهنا هي إدارية بالإضافة إلى الأحزاب الطائفية المهيمنة على الجامعة”.
وعن عمل الحملة تقول: “لقد ضغطنا من أجل القيام بأعمال الصيانة في الجامعة اللبنانية بكافة فروعها (كتأمين مقاعد وإطفائيات في الصفوف وتصليح الحمامات والنوافذ الخ…)، واعتماداً على تجاوب الإدارة معنا والاعتراف بنا كاتحاد طلابي، نلنا ثقة الطلاب أكثر فأكثر”.
وعن الهيكلية تقول رفيف سوني: “ليس للحملة هيكلية بمعنى هيكلية تنظيمية، وإنما في حال تواجد قضية تخص فرعاً ما، يقوم الطلاب المهتمون بتنظيم هيكلية تناسبهم وتناسب فرعهم، بالإضافة إلى وجود فريق عمل يهتم بإدارة نشر الأفكار على مواقع التواصل الاجتماعي”.
نحو عمل جامع للطلاب
تمكن نادِيا “سما” و”نبض الشباب” وحملة “الوضع مش طبيعي”، بالإضافة إلى نادي “راديكال”، في الفترة الماضية، من تشكيل تجمّع للأندية والحملات، ساهم في تأمين تواصل أكبر بين طلاب هذه النوادي وتعزيز العمل المشترك فيما بينها وتعريف طلاب الجامعة اللبنانية على نشاطات وعمل هذه الأندية والحملة.
من جهته، وفي مبادرة منه لتمتين هذا التواصل بين هذه النوادي والحملة وتعريف طلاب جدد على نشاطات هؤلاء في الجامعة اللبنانية، نظم تيار المجتمع المدني في شهر تشرين الأول 2018 ورشة عمل لمدة ثلاثة أيام تحت عنوان ” العلمانية الشاملة: مقاربة وطنية لقضايا الجامعة اللبنانية” في منطقة إبل السقي- مرجعيون، توجهت إلى المعنيّين بشؤون الجامعة اللبنانيّة، طلاباً وأساتذة، وهدفت إلى خلق مساحة من التّفاعل الإيجابي والتفكير الهادئ بقضايا الجامعة وتحدّياتها، بعيداً عن جميع أشكال التوتّر والاستقطاب الفئوي والسياسيّ والطائفيّ والمناطقيّ. وقد تضمنت هذه الورشة لقاءً مع طلاب ناشطين في أندية وحملات تكلم فيها الطالب حيان عبدالله عن “النادي العلماني في الجامعة اليسوعية”، والطالبة رفيف سوني والطالب محمد طويل عن حملة “الوضع مش طبيعي”، والمًتخرجَان جان قصير وجمانة تلحوق عن “النادي العلماني في الجامعة الأميركية” وعرض في اللقاء فيلم تعريفي عن نادي “نبض الشباب”، كما جرى عرض لكيفية تأسيس “لقاء الطلاب العلمانيين” الذي جمع في العام 2015 عدة نوادٍ علمانية من جامعات مختلفة.
لا شك أنّ تجربة النوادي الطلابيّة المدنية والعلمانية والمطلبيّة في الجامعة اللبنانية تحتاج إلى المزيد من الدعم والتطوير بتشارك جناحيها الطلاب والأساتذة، بالإضافة إلى جميع القيمين والمُهتمين بهذه الجامعة. ولا شك أيضاً أن إعادة الانتخابات الطلابية إلى الجامعة اللبنانية يُشكل خطوة انطلاق أساسيّة لعودة الحياة إليها وتشجيع العمل الطلابي الهادف فيها، وصولاً إلى إعادة تشكيل الاتحاد الطلابي.