قراءة في دستوريّة حريّة التعليم وأثرها على الانتماء الوطني

0

ملخّص دراسة – إياد سرور

1 سرور إياد. حريّة التعليم في لبنان وأثوأثرها على الانتماء الوطني، رسالة ماجستير في القانون العام 2023- 2024رها على الانتماء الوطني، رسالة ماجستير في القانون العام  2023- 2024

مقدّمة

تنصّ المادّة العاشرة من الدستور اللبناني على حرّيّة التعليم، وحقّ كلّ طائفة في تعليم أبنائها. وهي المادّة الوحيدة

التي تتناول قضيّة التربية والتعليم في الدستور، وشرّعت تأسيس المدارس الخاصّة إلى جانب الرسميّة منها، وجاء فيها بحرفيّته: التعليم حرٌّ ما لم يُخِلّ بالنظام العام، أو ينافي الآداب أو يتعرّض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب. ولا

يمكن أن تمسّ حقوق الطوائف، من جهة إنشاء المدارس الخاصّة على أن تسير في ذلك وفقًا للأنظمة العامّة التي

تصدرها الدولة في شأن المعارف العموميّة” 1.

ونتيجةً للتغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة التي استجدّت في الميدان التربوي، أصبح تفسير هذه المادّة شديد الاتّساع

والحساسية، باعتبارها تتعلق بالنظام التعليمي ككلّ ونشوء أو تأسيس مدارس خاصّة وتجاريّة تتوخّى الربح، أو مدارس طائفيّة تقوم بتنشئة أجيال على قيم وأفكار خاصّة بها، بل لها تداعياتها على النظام السياسي والإداري ولا يقتصر دورها على نقل المعارف والعلوم أو التنشئة بالمفهوم الك لاسيكي.

1 الدستور اللبناني، المادة العاشرة.

أولًا: أهميّة الدراسة

تبرز أهميّة هذه الدراسة باعتبارها محاولة تأسيسيّة، تشخّص موقع المادّة العاشرة في الدستور اللبناني، وتحدّد دورها في إنتاج نظام تعليمي طائفي، وتعزيز القطاع الخاص على حساب المدرسة الرسميّة، ممّا يؤجّج النزاع التربوي 2 في دولةٍ كثُرت فيها الثنائيّات )الدولة والطائفة( على حساب الانتماء الوطني، وبالإضافة الى النتائج التي سيبلغها هذا البحث، سلّطنا الضوء على:

١. مراحل قوننة حرّيّة التعليم وتشريعها في الدستور وبعض القوانين اللبنانيّة؛

٢. ثنائيّة النظام التعليمي في لبنان وفرادته؛

٣. مكانة الدولة ووظيفتها في تأمين تعليم وطني لأبنائها؛

٤. تشكيل مشروع لتبنّي برنامج وطني لغرس قيم المواطنة والانتماء لدى أبناء البلد الواحد؛

٥. فتح قنوات بحثيّة أمام مجموعة من الأبحاث المستقبليّة التي تُعنى بالجانب الدستوري والحقوقي للتعليم.

وتظهر أهميّة الدراسة أيضًا من الناحية العمليّة في الاستفادة من نتائجها، لجهة تحديد دور الدولة أو عدمه من قضيّة حسّاسة كالتربية والتعليم، ومن حيث لفت نظر المسؤولين والمعنيين إلى آثار شرعنة حرّيّة التعليم في الدستور اللبناني ونتائجها، وكذلك في تقديم التوصيات والمقترحات التي من شأنها الحدّ من المشك لات والنزاعات التربويّة، وبالتالي النهوض بالنظام التعليمي في لبنان، وأخيرًا محاولة متواضعة للتصويب والتطوير.

ثانيًا: إشكاليّة الدراسة والأسئلة الفرعيّة

القراءة الأوليّة لنصّ المادّة العاشرة تفيد أنّ حرّيّة التعليم، كحرّيّة المعتقد أو الحقّ في الملكيّة، أي أنّ حرّيّة إنشاء المدارس والجامعات حقّ للأفراد والطوائف والجمعيّات القانونيّة، ودور الدولة فيه يقتصر على النظام العام وبعض القضايا التنظيميّة والهيكليّة في قطاع التربية والتعليم، بحيث أنّ النظام التعليمي منوط دستوريًّا بسلطتَي الدولة والطائفة، وهما سلطتان متناقضتان في العمق، وأنّ المدارس الخاصّة لا يمكن أن تنقل لأبنائها وبناتها إ لّّا القيم الخاصّة بها والقيم الطائفيّة، وإذا تعلّق الأمر بالمواطنيّة فلكلّ طائفة تصوّرها الخاص ل لانتماء والوطن والهويّة.

هذه القراءة تدفع بنا إلى طرح الإشكاليّة الرئيسة التالية :

ما هي تداعيات حرّيّة التعليم وآثارها على النظام التعليمي ككّل والهويّة والانتماء الوطنيّين؟

يتفرّع عن هذه الإشكاليّة مجموعة من الأسئلة، أهمّها:

١. ما هي ع لاقة حرّيّة التعليم بباقي الحقوق والحرّيّات، كحرّيّة المعتقد وحرّيّة الرأي والتعبير، والحقّ في المعرفة، والمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص؟

٢. هل تقتصر التعدّديّة المدرسيّة على الطوائف وحدها، أم تتوسّع إلى الأفراد والجماعات؟

٣. ما هو مفهوم النظام العام كضابط أو إطار قانوني لحرّيّة التعليم؟

ثالثًا: خطّة الدراسة

للإجابة عن هذه الإشكاليّة والأسئلة المتفرّعة عنها، تناولنا هذه الدراسة بعنوانها الرئيسي: حرّيّة التعليم وأثرها على الانتماء الوطني، وذلك من خلال اعتمادنا التقسيم الثنائي: المقدّمة، يليها متن الرسالة في فصلين: الأوّل بعنوان حرّيّة التعليم في لبنان، قسّمناه إلى مبحثين تطرّقنا في المبحث الأوّل إلى التيّارات الفكريّة حول حرّيّة التعليم في لبنان، وفي الثاني إلى حرّيّة التعليم في الدستور اللبناني. أمّا الفصل الثاني فخصّصناه لدراسة آثار حريّة التعليم على النظام التعليمي والهويّة والانتماء الوطنيّين، وقسّمناه أيضًا إلى مبحثين، فتناولنا النزاع التربوي بين الدولة والقطاع الخاص في الأول، ودرسنا واقع النظام التعليمي وآفاقه لبنانيًّا في الثاني. وأنهينا دراستنا هذه بخاتمة تضمّنت أبرز النتائج التي توصّلنا إليها ومجموعة من الاقتراحات.

الخاتمة

المادّة العاشرة من الدستور ليست مجرّد نصّ دستوري وضعه المشرّع اللبناني ونأى بنفسه عنه تعديلًًا وتفسيرًا، بل هي أحد النصوص أو المواد التي ارتكز عليها النظام الطائفي اللبناني، كبقيّة الأعراف والنصوص البنيويّة المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة، وحريّة المعتقد، وطائفيّة الرئاسات ووظائف الفئة الأولى.

وفي الحقيقة لا تحتاج المادّة العاشرة إلى تقنيّات لكي نكتشف من خلالها مدى اهتمام الدولة وقدرتها على تأمين حقّ التعليم لجميع اللبنانيّين، لأنّ سياستها قائمة على خصخصة مختلف القطاعات الإ نمائية، ومنها قطاع التربية والتعليم، الذي يضرب بجذوره عميقًا إلى ما قبل نشوء الدولة. وأهمّ من كَتَبَ في هذه العلاقة والدور الدكتور شارل مالك قائلًا “لعلّ الخاصّيّة المميّزة للنظام اللبناني بالدرجة الأولى، هي أنّ الدولة ليست مؤسِّسة المؤسّسات، كما هي الحال في الكثير من دول العالم، بل أنّ الدولة مؤسَّسة من بين هذه المؤسّسات”. 3 أمّا لناحية النتائج والآثار، فكان لهذه الحريّة تداعيات كثيرة، لجهة إثارة النزاعات والتعدّديّة التربويّة، وأيضًا على الهويّة والانتماء الوطنيّين، بحيث توسّعت التعدّدية المدرسيّة داخل القطاع الخاص من مدارس خاصّة، ومدارس خاصّة مجانيّة، إلى مدارس أجنبيّة لا تلتزم بالمنهج الرسمي، وتمظهرت كباقي المواد على المستويين السياسي والإداري لناحية تقليص دَور التفتيش التربوي، بعد إلحاقه بالتفتيش المركزي، الذي أُلحِق بدوره بمجلس الوزراء، ولا يمكننا إغفال تنازع المادّة العاشرة مع المبادئ العامّة الدستوريّة، كالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتناقضها أيضًا مع الأبعاد الاجتماعيّة والوطنيّة للمناهج التربويّة، وتوسّع التفلّت التربوي في المدّة الأخيرة، مترافقًا مع الأزمة الصحيّة والاقتصاديّة لناحية الانفاق المالي من قبل الجمعيّات والمنظّمات الدوليّة في قطاع التعليم الرسمي، وصولًا إلى المشاركة في وضع المناهج الرسميّة، أو نشر المناهج والأجندات الخفيّة من خلال الجمعيّات والمنظّمات الأجنبيّة، والذهاب بلبنان ونظامه التعليمي نحو التدويل التربوي، ملحَقًا بمحاولات التدويل السياسي أيضًا. ولا يمكننا أيضًا إنكار الآثار الإيجابيّة لحرّيّة التعليم لناحية نشر التعليم وديمقراطيّته، وهذا جعل لبنان منافسًا لكثير من الدول العربيّة في قطاع التربية والتعليم، خصوصًا لناحية تنوّع مؤسّسات التعليم العالي. وفي أغلب دول العالم ما زال الشأن التربوي همًّا وطنيًّا، تتشارك فيه كافّة القوى الاجتماعيّة، وتكثر الدعوات والبرامج الإصلاحيّة نحو دمقرطة التعليم وعدالته وجودته، لكن في لبنان بقيت الدولة بكافّة أجهزتها الرسميّة حارسةً للتعليم الخاص بذريعة التعدّديّة وحرّيّة الطوائف في تعليم أبنائها، وتعزيز التنافسيّة بين مؤسسات التعليم العام )محليّة وأجنبيّة( ومؤسسات التعليم العالي الجامعي، وضرب جودته والانحدار به نحو الحوكمة السياسيّة. بناءً على ما أوردناه سابقًا، توصّلنا إلى عددٍ من النتائج والاقتراحات، نختصرها بالآتي:

. ا- النتائج

أ. على الرغم من شرعيّة حرّيّة التعليم ودستوريّته، بحيث جاءت المادّة العاشرة في الفصل الثاني )حقوق اللبنانيّين وحرّيّاتهم( من الدستور، إلّا أنّها تمتاز بجذورها التاريخيّة وطائفيّتها السياسيّة التربويّة.

ب. التنازع والتضارب الدستوري بين المادّة العاشرة التي شرعنت حرّيّة التعليم، وبين الفقرة )ج( من مقدّمة الدستور، التي تنصّ على احترام الحرّيّات العامّة وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.

ت. التنازع والتضارب أيضًا بين المادّة العاشرة والمبادئ العامّة للمناهج )الوطنيّة والثقافيّة والاجتماعيّة(، التي انطلق العمل بها بموجب خطّة النهوض التربوي كما أقرّها مجلس الوزراء بتاريخ 17/8/1994، الصادرة بصيغتها النهائيّة بالمرسوم .10227/1997.

ث. التمايز الطائفي والمناطقي بين اللبنانيّين لناحية الحقّ في التعليم.

ج. تجذّر التعليم الطائفي في المدارس الخاصّة، وتوسّعه إلى المدارس الرسميّة ذات اللون الطائفي الواحد، من خ لال إحيائها المناسبات الدينيّة داخل حرم المدارس الرسميّة.

ح. تفسّخ النظام التعليمي اللبناني، بحيث يستقطب أنظمة تربويّة متنافرة )مدارس أجنبيّة، مدارس خاصّة طائفيّة، مجّانيّة وغير مجّانيّة، مدارس فرديّة ذات طابع استثماري تجاري، والمدارس الرسميّة(.

خ. تعدّد أشكال التنشئة التربويّة والعلميّة التي يتلقّاها اللبنانيّون، بحسب اخت لاف انتماءاتهم الطائفيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ممّا جعل اللبنانيّين مجموعات تتوافق حينًا وتتناحر حينًا آخر.

د. ثنائيّة الإدارة التربويّة المركزيّة، بحيث أصبح لمصلحة التعليم الخاص الدور الأهمّ في قيادة وزارة التربية بين باقي المصالح والإدارات.

ذ. تفلّت التعليم الخاص من رقابة التفتيش التربوي التابع للتفتيش المركزي الذي أُلحق برئاسة مجلس الوزراء، ومُنحت هذه الرقابة لمصلحة التعليم الخاص، التي اتّصفت بالموسميّة والظرفيّة وخضوع بعض المفتّشين والموظّفين التابعين لها للرشوة.

ر. تراجع سيادة الدولة على النظام التعليمي، بفعل تدويل الملفّ التربوي خلال تفشّّي وباء كورونا والأزمة الاقتصاديّة، وبفعل تدخّل الجمعيّات الأجنبيّة والدوليّة، بحجّة الإنفاق على تعليم ال لاجئين السوريّين )دوام بعد

الظهر(، وبفعل نشر مفاهيم أو مشاريع تحت عناوين )لا للعنف، احترام التعدّديّة، ثقافة الس لام، …(.

٢. الاقتراحات

إنّ الانطلاق من معرفة مشك لات واقعنا التربوي على مستوى التشريع والإدارة، وبالتالي المناهج ونظام التقويم، يهدف إلى إصلاح التعليم الرسمي وتحديثه بجهود وطنيّة جامعة، لتنطلق في عمليّة تنمية مواردنا البشريّة على أسس أكثر إصلاحًا وفعاليّة في بناء مستقبلنا، لذا نتقدّم بالاقتراحات التالية:

أ. تعديل المادّة العاشرة من الدستور لناحية النصّ على الحقّ في التعليم ومجّانيّته وإلزاميّته، إلى جانب حرّيّة التعليم، أسوةً بالعديد من دساتير الدول العربيّة.

ب. اعتبار التعليم الرسمي مشروعًا وطنيًّا ضروريًّا، والمدرسة الرسميّة ليست ملك الدولة وحسب، بل لجميع الناس.

ت. تفعيل الشراكة مع المجتمع المحلّّي )البلديّات(، مع الحفاظ على حقّ الدولة في وضع المناهج وفقًا للمبادئ الأساسيّة، كالحقّ في التعليم وإلزاميّته ومجّانيّته.

ث. ديمقراطيّة التعليم بتوفير فرص تعلّم وتقدّم اجتماعي متساوية لسائر اللبنانيّين على اخت لاف انتماءاتهم الاجتماعيّة والطائفيّة.

ج. امتداد رقابة التفتيش المركزي )تربوي ومالي وإداري( إلى التعليم الخاص )المجاني مرحليًّا(، باعتبار هذا القطاع جزءًا لا يُجتزأ من النظام التعليمي في لبنان، يرتبط بالهويّة والانتماء الوطنيّين، وبالتالي لا يُعدّ قطاعًا تجاريًّا يخضع لقواعد السوق.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.