وقفة مع فيلم
في ليلي الصغير .. يا للحسرة
كان للرياح موعد مع أوراق الشجر
في ليلي الصغير قلق مدمر
هل تسمع همس الظلال؟
هذه السعادة غريبة عني
أنا مدمنة على يأسي.
في الليل شيء ما يمر
القمر أحمر ومغشوش
الغيوم كزحام المعزين
ترتقب لحظة الهطول
لحظة .. ثم لا شيء.
ضع يديك كذكرى حارقة في يدي العاشقتين.
وشفتاك كأنهما دفء الوجود
دعهما تلامسا شفتي العاشقتين
الريح سوف تحملنا معًا.
الشاعرة الإيرانية «فروغ فرخزاد”
معلومات عن الفيلم:
“ستحملنا الريح” The Wind Will Carry Us انتاج: 1999 الاخراج: عباس كياروستامي مدة الفيلم: 118 دقيقة طاقم العمل: بهزاد دوراني – باهمان غوبادي – شهبور غوبادي |
“ستحملنا الريح ” فيلم بتوقيع المخرج الايراني عباس كيارستامي الذي ينتمي إلى تيار «الموجة الايرانية الجديدة» التي بدأت في اواخر 1960، والذي انضم إليها الكثير من المخرجين الإيرانيين أمثال فروخ فرخزاد (المخرجة والشاعرة) وغيرها من المخرجين، والذين يعتمدون أسلوب المحادثات الشعرية ورواية القصص، في معالجتهم للقضايا السينمائية.
يبدأ المخرج فيلمه برحلة إلى قرية جبلية في الريف الإيراني، حيث يصل من طهران مجموعة من الأفراد بسيارة تسير في فضاء مفتوح، حيث يظهر المزارعون في حقولهم يمارسون عملهم اليومي في حراثة الأرض والزراعة. يذهب بهزاد (الشخصية الرئيسية) مع كاميرته الفوتوغرافية ومجموعته إلى القرية، ويبلغ الصبي الذي ينتظرهم (المرشد المحلي) بأنهم قدموا من أجل البحث عن الكنز، ولكننا نتوصل إلى أن المجموعة قد قدمت من أجل تقرير عن شعائر غريبة ستقام بعد وفاة سيدة عجوز تجاوزت الماية عام.
تمر الأيام والسيدة العجوز تتشبث بالحياة على نحو غامض وفي انتظار موتها الوشيك لا شيء يحدث في فيلم كيارستامي، فقط الحياة اليومية لساكني القرية وطاقم التصوير.
تتجول الكاميرا داخل الأزقة الضيقة للقرية، وهو أشبه بسرد روائي للتفاصيل اليومية التي تعيشها القرية من الصباح حتى المغيب. يعتمد المخرج على الابهام والغموض في معالجته لقضية المرأة العجوز حيث لا وجه لها في الفيلم، وكل ما نعرفه عنها فقط ما ينقله لنا الصبي عن حالها، وعما يغدقه عليها أهل القرية من الأطعمة، لأنها تدعي لهم بالخير. يطرح المخرج في هذا المشهد الأثر الميثولوجي في التحكم بنمط التفكير لساكني القرية، وغوصهم في الميتافيزيقا لتفسير الماورائيات.
أما المحور الدرامي في الفيلم فيبرز في الاتصال الهاتفي المتكرر والذي يدفع بهزاد إلى قيادة السيارة بسرعة والذهاب إلى المقبرة في أعلى القرية لالتقاط إشارة الهاتف، وتعبر هذه الصورة المجازية عن استعباد الهاتف المحمول للإنسان، إلى صاحبة المقهى المتقدمة في السن المتذمرة باستمرار، إلى المُدرّس المعوق، وحفار القبور الذي نسمع حواره مع بهزاد ولا نرى وجهه، إلى رحلة بحثه عن الحليب، حيث يقرأ الشعر لفتاة تحلب اللبن في قبو مظلم كالليل.
«الريح سوف تحملنا» هو أكثر فيلم لكيارستامي يتم فيه الاستشهاد بالشعر مراراً، أشعار لـ«فروغ فرخزاد»، و«عمر الخيام»، فهما الأقرب لروح «كيارستامي» وسينماه خاصة في هذا الفيلم، إلى طبيب القرية الذي يقود الدراجة النارية ويطرح اسئلة ميتافيزيقية حول الموت، كان أضاء عليها الشاعر الراحل محمود درويش “لم يأت أحد بعد الموت ليخبرنا بالحقيقة “، إلى مشهد رمي العظمة، الخنفس، السلحفاة، الكلاب، ومشهد الجنازة الذي يختم بها المخرج فيلمه، الذي يبين موت العجوز غير المرئية، وظهور لحظة التشييع والتقاط الصور للنساء الصامتات التي تسير وراء الجنازة، وبعدها يغادر القرية.
الفيلم يطرح الأسئلة الكثيرة دون الإجابة عنها. يبتعد المخرج في صناعة أفلامه عن الحبكة التقليدية لصناعة السينما، هو أحد العناصر الشعرية في سينما «كيارستامي»، فهو يعتمد على منهج الحجب الممنهح للاحجيات وهي فلسفة الإخفاء، والارتجال، مما يضع المشاهد في حالة الترقّب والانتظار والتهشيم المستمر للتوقعات وهو ما يبرع فيه كيارستامي الذي تحدث عن أسلوبه السينمائي بقوله إنه يفضل ” السينما النصف كاملة، أو السينما غير الكاملة التي تكتمل عن طريق الروح الإبداعية الخلاقة للمشاهدين”، أي أنه يتعين على المشاهدين أن يبذلوا مجهوداً ذهنياً لاستيعاب الفيلم.
وقد فاز الفيلم “ستحملنا الريح” بعدة جوائز سينمائية، منها جائزة مهرجان البندقية السينمائي لأفضل فيلم، وجائزة لجنة التحكيم للمخرج عباس كيارستامي. وبين الترشيحات التي حصل عليها الفيلم ترشيحه لجائزة أفضل فيلم أجنبي من رابطة نقاد السينما في مدينة شيكاغو.
معلومات عن المخرج:
عباس كياروستامي مخرج سينمائي إيراني عالمي، كاتب سيناريو ومنتج أفلام من مواليد طهران 22 يونيو 1940، تخرج من الجامعة مع شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة. بدأ مسيرته في عالم الإخراج في سن الـ 30 عاماً، كياروستامي ناشط في مجال صناعة الأفلام منذ عام 1970، ساهم في أكثر من 40 فيلماً عالمياً بما فيها أفلام قصيرة ووثائقية. أهم الأفلام التي أخرجها: ثلاثية كوكر، طعم الكرز والريح ستحملنا. كياروستامي كان واحدا من قلة من المخرجين الذين بقوا في إيران بعد الثورة عام 1979، عندما كان العديد من زملائه المخرجين الإيرانيين فروا إلى الغرب، وصرح عن اعتقاده بأنه كان واحداً من أهم القرارات في حياته. وقال”عندما تحاول نقل الشجرة المثمرة التي غرست جذورها في الأرض لمكان آخر، فلن تكون الفواكه جيدة كما كانت في الأصل، هذه قاعدة طبيعية”. في 4 يوليو 2016 رحل عباس كياروستامي عن هذا العالم بعد صراعٍ طويل مع المرض في فرنسا. غيابه لم يصب بلده بالحزن وحسب، إنما العالم الذي دخل أبوابه من الشاشة. |