تعود علمنة الدولة في تونس إلى تاريخ الاستقلال، حيث كان الرئيس الحبيب بورقيبة أول من وضع أسس العلمنة في البلاد وسن قوانين الأحوال الشخصية وأعطى قوانين حماية المرأة أولوية خاصة.
فقد وضع الحبيب بورقيبة أسس النظام الجمهوري لدولة عصرية عام 1957 وأصدر الدستور الجديد في العام 1958. وتمثلت أهم مبادئ هذا الدستور في:
- انتخاب رئيس الجمهورية كل 5 سنوات.
- الحد من دَور جامع الزيتونة.
- افتتاح الجامعة التونسية التي حملت راية “علمنة التعليم”.
- إصدار قانون أحوال شخصية مناصر للمرأة ويحمي حقوقها، يتضمن:
- تحديد الحد الأدني لسن الزواج القانوني بـ 17 سنة.
- منع تعدد الزوجات وتحديد الزواج بامرأة واحدة.
- السماح بالإجهاض.
- حصر الطلاق أمام المحاكم فقط.
- تعديل قوانين الإرث المُستمدة من الشريعة الاسلامية لمصلحة المرأة.
كان بورقيبة يؤمن بأنّ دور الدولة يكمن في الإشراف على شؤون الدين والشعائر الدينية وبأنّ عليها العمل من أجل تحديث الإسلام وليس أسلمة الدولة.
وقد اعتبر أن البلاد مطالبة بتقليص الفجوة السحيقة التي تفصلها عن البلدان المتقدمة في الغرب، لذلك قام بورقيبة بالخطوات التالية:
ـ حرمان القائمين على الشؤون الدينية من الاستقلالية النسبية التي تمتعوا بها زمن الاستعمار، وإلزامهم بالتبعية الكاملة لمصالح الدولة.
ـ شن حملة على الطرق والأولياء والشعوذة والزوايا.
ـ الحد من الكتاتيب دون منعها كلياً.
ـ اعتماد الحساب الفلكي رسمياً في تحديد حلول شهر رمضان والأعياد والمواسم الدينية عوض الرؤية، وهذا ما بدأ تطبيقه منذ شهر شباط من العام 1960.
ـ الدعوة رسمياً في خطابه في العام 1960 إلى الإفطار في شهر رمضان استعداداً “للجهاد الأكبر” ضد الفقر والتخلف والتبعية والاستعمار، بعد كسب معركة الإستقلال التي وصفها بـ “الجهاد الأصغر” مُستدلاً بالحديث النبوي: “إفطروا لتقووا على عدوكم”.
– منع تغيير أوقات العمل في الإدارات الحكومية والسهر في المقاهي والحفلات الراقصة بحجة حلول شهر رمضان.
تأثر النهج التونسي بالفكر الأوروبي والفكر الفرنسي خاصة. فكان أغلب السياسيين والعسكريين والأمنيين البارزين الذين حكموا البلاد في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي (1956 ـ 2011) من خريجي المدارس والجامعات الفرنسية، حيث الدفاع المُستميت عن قيم الحداثة الغربية. علماً أنّ مفكرين وأكاديميين فرنسيين مشهورين ساهموا في تأسيس الجامعة التونسية وتوجيه نخبها منذ العام 1956.
لا بد من الإشارة أخيراً إلى أنّ صراعاً تاريخياً طويلاً نشأ في تونس بين تيارين، حاول كل منهما إدارة البلاد بحسب رؤياه واستراتيجيته:
– التيار الأول، ويمثله الحيبب بورقيبة وأعضاء من الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد وأنصاره، وهو تيار يعتبر أن “تونس تونسية وكانت دوماً لا شرقية ولا غربية” ومن مصلحتها اليوم “ربط مستقبلها بالغرب”. وكان بورقيبة وفريقه قد وضعوا أولوية دفع البلاد إلى خيار بناء “الأمة التونسية العصرية” بديلاً عن “الأمة الإسلامية والأمة العربية”.
ـ التيار الثاني يعتبر أن “تونس تونسية منذ القدم لكنها شرقية عربية إسلامية”.
***