قدّم “مرصد الطائفيّة” في “اللقاء العلماني” عرضًا لتقرير سنة ٢٠٢٣ “رصد الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية باستخدام الذكاء الاصطناعي”، وذلك في جلسة عامّة في مركز تيار المجتمع المدني في بدارو (بيروت)يوم الخميس٨ شباط/فبراير الحالي. حضر الجلسة الناشطون في اللقاء بالإضافة إلى المهتمّين بقضايا العلمانيّة ومواجهة الخطاب الطائفي.
استُهلّ العرض بكلمة للناشطة آلاء حمادة عرضت خلالها لمحة موجزة عن “اللقاء العلماني”: “بلدنا محكموم بنظام كرّس الطائفيّة والتمييز والمحاصصة والزبائنيّة، وولّد أزمات وحروب متكرّرة، وفشل في بناء حسّ المواطنة. وقد انطلق “اللقاء العلماني” في منتصف العام الماضي في محاولة لتكوين مساحة علمانيّة جديدة، رأى فيها المدخل الصحيح لبناء نظام لا يفرّق بين إنسان وآخر، يضمن حقوق كلّ الناس، ويحقّق المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات”. ثمّ قامت حمادة بتعريف مجموعات العمل داخل “اللقاء العلماني”، وهي “طاولة العلمانيّة” و”الطاولة الاقتصاديّة” و”مرصد الطائفيّة”.
بدورها، عرّفت الناشطة ديالا سريّ الدين بـ”مرصد الطائفيّة”، وأوضحت أن “اللقاء العلماني” قام بتشكيل مجموعة عمل “مرصد الطائفيّة” مهمّتها رصد الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية في لبنان، بهدف تكوين صورة واضحة لخلفيّات هذا النوع من الخطاب وأسبابه، وفهم كيفيّة تفاعله مع الأحداث الجارية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور المؤثّرين من سياسيّين ورجال دين في شحن جماهيرهم وتعبئتها وتحريضها.
وأضافت: “إنّ الهدف الأهمّ من عمل المرصد هو تطوير مقاربة علميّة موضوعيّة يقوم عليها نموذج عمل يتيح مواجهة الخطاب الطائفي بأدوات متنوّعة تصل إلى عموم الجمهور”. واختتمت سريّ الدين بالقول أنّ “تقرير العام ٢٠٢٣ يبيّن أنّ السلطة والزعامات الطائفيّة بدت أكثر تجذّرًا في المجتمعات اللبنانيّة، وقد تمكنوا من استعادة زمام المبادرة خلال السنوات التي تلت عام ٢٠١٩، حيث تمكّنت من تعطيل محاولات مكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين والتفّت على قانون حقّ الوصول إلى المعلومات”.
كذلك، شرحت الناشطة آلاء حمادة أهمّية استخدام “مرصد الطائفيّة” للوسائل الرقميّة والذكيّة الحديثة لرصد الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية، باعتبار أوّلًا أنّ هذه الوسائل تتيح بتغطية نطاق أشمل للخطاب المتداول على منصّات التواصل الاجتماعي في لبنان، وثانيًّا توضح أنّ الوسائل التقليديّة للرصد لا تتجاوز حدود توثيق عدد محدود من الحالات ولا تتيح تطوير استراتيجيًة لمواجهة الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية.
من جهتها،استعرضت بعد ذلك الدكتورة فاطمة أبو سالم الجوانب البحثيّة والتقنيّة، فأوجزت عناصر الدراسة التي أجراها المرصد ونشرها في تقرير سنة ٢٠٢٣ “رصد الخطاب الطائفي وخطاب الكراهية باستخدام الذكاء الاصطناعي”، شارحة الفرضيّات التي طرحتها الدراسة لتفسير أنماط تفاعل جمهور التواصل الاجتماعي مع الأحداث، وهي: الوعي المجتمعي الزائف وخطاب الهلع الأخلاقي والتروما الجماعيّة.
ثمّ انتقلت د. أبو سالم إلى تلخيص المنهجيّة التي سيّرت العمل على الدراسة، بدءًا من تحديد موضوعات الرصد وجمع البيانات، مرورًا بالتصنيف البشري لعيّنات منها، ثمّ تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التصنيف الآلي وتقييم دقّة تصنيفها، وصولًا إلى تحليل النتائج ونشرها.
كما عرضت د. أبو سالم جانبًا من تحليل النتائج والخلاصات التي انتهت إليها الدراسة، وكان أهمّها أنّ النظام الطائفي قد نجح في صرف الأنظار عن قضايا الفساد والجرائم المرتكبة، التي تستحقّ الاهتمام والمتابعة بهدف المساءلة والمحاسبة، عبر بثّ الهلع الأخلاقي من الفئات المهمّشة، وأنّ الجمهور الذي يظهر الاستعداد للاستجابة للتحريض يحمل في المقابل ذاكرةً مستعارة من الأجيال السابقة تسيطر عليها الحرب الأهليّة، وتكتمل الصورة في تشكلّ الوعي المجتمعي الزائف لدى الشعب، بشكل يشوّه نظرته للعلاقات في المجتمع ويدفع الضحيّة لممارسة الاضطهاد بحقّ من هم أضعف منها.
عن الصّعوبات التي واجهها الفريق التّقني في هذه الدّراسة، استعرضت د. أبو سالم عدّة محدوديّات متعلّقة بصعوبة تدريب الذّكاء الاصطناعي على التعرّف على اللّغة المحكيّة، وبالقيود المفروضة من قبل منصّات التّواصل الاجتماعي علي كمّيّة البيانات الّتي يسمح بجرفها، وبصعوبة تأمين عددٍ كافٍ من المتطوّعين الموكّلين عمليّة التّصنيف اليدوي لأنواع الخطاب، والّتي تشكّل خطوةً أساسيّةً لتعزيز مستوى الدّقّة في التّصنيف الممكنن لدى الذّكاء الاصطناعي.
وفي ختام عرضها أكّدت أبو سالم على أهمية هذه الدراسة ودورها في خلق فرص للتعاون بين “اللقاء العلماني” والحلفاء؛ من مجموعات ومنظّمات حقوقيّة ووسائل إعلام بديل، من منطلق التقائهم على ضرورة مواجهة الخطاب الطائفي. كما بيّنت أهميّة الرصد الرقمي في الوسائل الذكيّة لمحاولة التصدّي للتهديدات في زمن قصير ولتطوير نماذج ذات فعاليّة في مواجهة خطاب الكراهية وآثاره في الواقع، بشكل يضع الأفراد والمجموعات الرافضة لهذا النمط من الخطاب في موقع المبادرين بدلًا من أن يكونوا متلقّين له.فعلى سبيل المثال، توفّر السّرعة والشّموليّة الّتي تتمتّع بها البرامج الذّكيّة فرصةً لبناء أنظمة رصد فعّالة تستطيع التقاط حملات التّحريض ضدّ شخصيّاتٍ قد تكون حياتها مهدّدة بفعل حجم التّحريض القائم، كما وتساعد التّقنيّات الذّكيّة على إنشاء شبكات معرفيّة تظهر تقاطع المؤثّرين في الخطاب السّام وكيفيّة تطوّر هذه الشّبكة ومدى تأثيرها في المجتمع مع مرور الزّمن.
واختتمت الجلسة بمناقشة المشاركين للدراسة، وطرح الأسئلة حول منهجيّتها والتقنيّات المستخدَمة فيها. كما تمت مشاركة الطروحات حول مجالات توسيعها في المستقبل، بالإضافة إلى تبادل الأفكار حول إمكانية التعاون المستقبلي انطلاقًا منها.