القرية
خواطر
فراس الحريري
1
في القريةِ طرقاتٌ تستقبلُ أقدامَ مشاةِ الليلِ
وأحذيةَ الغرباءْ
كلُّ فوانيسِ الشارعِ أطفأها سَغَبُ التقنينِ
وتيَّارُ الحزنِ الضاربِ في الروحِ المتعَبِ مشتعلٌ
يتوهج
مثلَ عيونِ ذئابٍ تتفرَّس وجهَ ضحيتها،
ويسيلُ على الجدرانِ الخشنهْ
وعلى آهاتِ الحبِّ المختزَنهْ
وعلى كلِّ الأشياءْ
دونَ استثناءْ..
على أوراقِ التبغِ المنشورةِ في عرضِ الريحِ،
على بتلاتِ الوردِ المشتاقةِ للماءْ،
على التاريخِ المطمورِ بذاكرةِ الموتى
وعلى الجلدِ المرهقِ فوقَ عِظامِ الأحياءْ
2
في القريةِ أشجار
تنمو، لكن، لا أثمار لها
ترمي الأوراقَ على الإسفلتِ
فتخطفها الريحُ وتنشِئ زوبعةً
تقتلعُ الأشجارَ العريانهْ..
القريةُ حدَّادٌ عملاقٌ
العزلةُ فيها مطرقةٌ كبرى،
والناسُ حديدٌ
منصَهرٌ بمزيجٍ من فقرٍ يُحكِمُ أغلالهْ
مع جهلٍ، وفراغٍ، وبِطالهْ.
ويُركِّز سِندانهْ
فوق شعاراتِ الخطبِ الرّناّنهْ
3
تتمشى في أرصفة القريةِ
لا شيءَ عليها كي تستقبلَ أقدام مشاةِ الليلْ
تتوضأ بالضحكِ الخاوي عيناكَ
وترصد أشباحَ رحيلكَ تمشي قربكَ،
تتشعب فيك الطرقاتُ
ويشبه دربكَ قرنَ الأيلْ
4
لا شيء على مائدةِ الطرقاتِ تقدمه
لغريبٍ عابرْ
غير ضياعِ الخطواتِ
وعمراً مسحولاً بحذاءِ الموتِ
كأعقابِ سجائرْ