أرخت الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة التي ألمّت بلبنان في السنوات الأخيرة ظلالها بقوّة على الواقع التربوي اللبناني الغارق أصلًا بمشاكله الخاصّة، فوقع هذا القطاع في تخبّطاتِ ما لحقه من تداعيات تلك الأزمة، فضلًا عن تحدّيات
جائحة كورونا التي عزلت الأساتذة عن طلّابهم/ن لفترة طويلة، وأثّرت سلبًا على آليّات التعليم ووسائله، وحدّت من نوعيّته وجودته.
لا شكّ أنّ القطاع التربوي الرسمي كان أكثر من تلقّى الضربات التي أصابته بأضرارٍ كبيرة، أوصلته إلى حدود الانهيار، فدخل مرحلة العناية المشدّدة، ليصبح مصيره معلّقًا بمصير الوطن، وبمدى إمكانية نهوضه من كبوته وإعادة بناء جسور التعافي المأمول.
تشهد الساحة التربويّة مشاكل عديدة أبرزها ما يتعلّق بالفاقد التعليميّ الذي نتج عن سنوات الأزمة منذ العام ٢٠١٩ ، وبتدنّي مستوى التعليم وجودته ونوعيّته، وبحقوق المعلّمين وهجرة أصحاب الكفاءات من بينهم، وبمسألة مستوى الشهادات الرسميّة ومصير الامتحانات السنويّة لشهادتي البروفيه والشهادة الثانويّة والتي يواجه إجراؤها، في كلّ سنة، ظروف وصعوبات متنوّعة، عدا عن تدهور الحالة النفسيّة والاقتصاديّة للأساتذة والتلاميذ على السواء!
هذا ولم نتطرّق بعد إلى المشاكل الدائمة التي يعاني منها القطاع التعليمي ككلّ منذ ما قبل الأزمات الأخيرة التي شهدها لبنان، تلك المشاكل المتعلّقة بسبل تعزيز الحسّ المواطني لدى الطلّاب والتلامذة، كونهم الأمل الباقي لبناء وطن
بمآسٍ أقلّ وأح لامٍ أكبر! فالتصنيف الطائفي السياسي المفروض على الشباب في وطننا كرّس خللًا شابَ ترتيب أولويّاتهم بين الانتماء السياسي الطائفي والانتماء الوطني. ويجدر بالقيّمين على الشأن التربوي تصحيح هذا الخلل، كونه المؤثر الأساسي والأكبر على بناء نظام علاقات إنساني ومواطني صحّي بين أبناء الوطن.
فالطائفيّة لم تُنتِج في لبنان سوى تثبيت دولة الرعيّة على حساب دولة المواطنين، ودولة الرعيّة هذه كانت السبب المباشر فيما تعرّض له وطننا من أزمات.
وبغضّ النظر عن واقع الوزارات وفعاليتها في لبنان، لا شكّ بأنّ وزارة التربية والتعليم العالي تبقى، في جميع الأحوال، قاصرة في مواجهة ما تراكم من أزمات ومشاكل في هذا القطاع وما يمكن أن تقدّمه إلى المعلّمين لكي يستعيدوا قدرتهم وفعاليتهم، وإلى التلامذة لكي تعيدهم إلى مستوى لائق ومقبول.
نطمح في هذا العدد من “مجلة تواصل مدني”، أن نضيء على مشاكل قطاعنا التربوي في لبنان، الغارق في المآزق، ونبحث في الخطوات الضروريّة المقبلة والحلول الممكنة، مستعينين بآراء المختصّين في هذا الصدد. في المقابل، نعرّف القارئ في صفحات هذا العدد أيضًا على تجربة جديدة متقدّمة في مجال العمل التربوي المدرسي في لبنان، تستحقّ التقدير.
باسل عبدالله