مقابلة مجلة تواصل مدني العدد 7 مع السيد هاني فحص

0

مقابلة مع السيد هاني فحص عن العلمانيّة

أجرت المقابلة مايا مجذوب

الزميلة في أسرة تحرير “تواصل مدني” مايا مجذوب تحاور السيد هاني فحص

هو رجل دين وعلم وفقه، شاعر وأديب، يتمتع بالصدر الرحب لإستيعاب وتقبل الأفكار على أنواعها.  في جعبته الكثير من التجارب، بدءا من مشاركته في الثورة الايرانية إلى المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، فالمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. مؤمن بالحوار وسيلة لمعالجة شتى أنواع القضايا. كان لنا مع السيد هاني فحص هذا اللقاء لمناقشة العلمانية في لبنان، علاقة الدين بالعلمانية والحداثة، والدور المطلوب من الشباب اللبناني.

◙ دائما تُوضع كفة المقارنة على الشكل التالي: الدين ضد العلمانية. أصحيح أن المفهومان متضادان دائما؟ المشكلة ليست بين الدين والعلمانية، بل في ممارسات العديد من المتدينين والعلمانيين وسعيهم لإلغاء الآخر. بداية، الديموقراطية هي جزء لا يتجزء من العلمانية. بالتالي، فإن حاولت العلمانية إقصاء الدين، ستُناقض ديموقراطيتها، وهي من صلبها. فالعلمانية التي ننشدها هي مشروع حل وليست عصبية ضد الدين وتهديد بالإلغاء. كما أن الدين حاجة للفرد، لا أجازف بإلغاء الدين. لكن بالمقابل، علينا معاملة الدين كخيار شخصي، وليختر كل إنسان مذهبه. فأنا مثلا رجل دين متدين ومتمسك بالإسلام، أحب المسيحيين، وأريد علمانية، لا أن تنتج الدولة دينا فتفسده، أو أن ينتج الدين دولة فيفسدها أيضا. من الخطأ إذا تقسيم الأفراد إلى: الديني أو العلماني.

بالمقابل، هل هناك من تناغم وانسجام بين مفهومي الدين والحداثة؟ ما من مشكلة بين الدين والحداثة ولا يتناقضان. المشكلة الفعلية تكمن في سوء إدراكنا وتماشينا مع مفهوم الحداثة في العالم العربي. فنحن قد اعتمدنا التحديث، لا الحداثة. مثل من يشيد بناءا بهندسية حديثة دون التنبه للتفاصيل الهندسية الداخلية وانسجام الشقق مع بعضها البعض. لذلك، ترانا ابتدعنا التطور الشكلي مع إبقائنا على مضمون كلاسيكي، لا بل ورجعي أيضا.

كيف ترجم ذلك من خلال التجارب العربية السابقة؟ بعض الأنظمة السياسية استخدمت العلمانية والحداثة عنوانا ذو شكل تجديدي، إلا أن المضمون كان عاجزا عن النهوض بواقعنا، مثل تجارب دولة البعث في سوريا والعراق. ففعليا، أهم مضامين الحداثة هي الحرية التي ظلت مقموعة. فأتت تجارب العالم العربي مع الأنظمة العلمانية التحديثية ناقصة، وعوضا عن فصل الدين عن الدولة، طرحت بشكل ساهم بفصل الدين عن المجتمع، بعكس التجارب العلمانية الأوروبية التي وبالرغم من ملاحظاتنا عليها، إلا أنها ساهمت برأيي في حفظ الدين المسيحي وليس العكس، عبر تحريره من تسلط الكنيسة، وتحرير الكنيسة من ذاتها ومن الدولة، وتحرير الدولة من الكنيسة. أي أن تلك الدول، وعلى رأسها فرنسا، خاضت عملية تحرير حتى أدركت الحداثة. إذن، مشكلة الحداثة في العالم العربي ليست بسبب الدين، بل بسبب الأنظمة السياسية. فلبنان مثلا مشكلته مع النظام الطائفي.

إنطلاقا من تقييمك السلبي للتجارب العربية الماضية، كيف بإمكاننا اليوم إستمالة اللبناني نحو تبني العلمانية نهجا تحديثيا؟ لا شك أن التجارب السابقة قد أخافت المواطنين من مفهوم “العلمانية”، لا سيما بعد عجز رجال السلطة عن تهييىء الأفراد واستقطابهم نحوها. كما أن البعض يختذل مصطلح العلمانية  بأنه إلحاد ومعادة للدين، بصرف النظر عن قيمته الديموقراطية والإنسانية. لذلك، وتجنبا للمفاهيم المغلوطة والذكريات السلبية، أنصحكم بإستخدام مصطلح “الدولة المدنية” عوضا عن “العلمانية”، وبذلك يبقى المعنى نفسه، ولا يستفز البعض.

كيف ممكن برأيك نقل الحوار الديني عمليا من أوساط النخب الدينية وأصحاب الإختصاص الديني إلى الشارع اللبناني؟ بداية، يجب أن نتفق أن الهدف من الحوار الديني ليس مناقشة إختلافاتنا الدينية، بل إيجاد صيغة للتعايش المشترك في ظل هذه الإختلافات مع الحفاظ على التعدد. الهدف ألا نجعل الإختلاف خلاف. والحوار يجب أن يشمل أهل الأديان جميعا، وأن يضم النخبة والقوى الشعبية. فنحن بحاجة إلى نخبة حوارية موضوعية تتعاطى بالعلم والحكمة لا بالعاطفة والإنفعال التي أودت بشعوبنا إلى الحروب. هناك مثل إيراني قائل: السمكة تفسد من رأسها. لذلك، نرى أن المجتمع بأسره يفسد عندما تكون النخبة فاسدة، لكن يبدأ بالإصطلاح والنهوض عندما تصلح النخبة. وعلى الشباب بالمقابل محاسبة النخبة على سياستهم التقسيمية وحملهم على تبني طروحاتهم. فليزوروا القرى التي كانت تتمتع بتعدد فعلي، وليسألوا الأهالي كيف عاشوا قبل الحرب ليفهموا وليلتمسوا صيغة التعايش المشترك التي أوجدها الناس سابقا فيما بينهم. يجب أن نعيد إحياء ذاكرة العيش المشترك.

لكن في ظل تنامي الضغوطات والعصبيات الطائفية، هل تعتبر مجتمعنا اللبناني اليوم مستعداً لتبني العلمانية؟ اليوم أكثر من أي وقت مضى وطننا بحاجة إلى تحقيق العلمانية، ولبنان بفضل ثقافته المجتمعية مهيىء لتبني العلمانية. والمفارقة أنه كلما زادت العصبيات الطائفية، سيعلو صوت المطالبين بالعلمانية والعاملين على تحقيقها.

برأيك ما هو النموذج العلماني الأمثل الذي يتناغم مع خصائص مجتمعنا اللبناني؟ بالواقع، لا يسعني أن أطرح نموذجا فرديا، الموضوع يتطلب ورشة عمل جماعية ويحتاج جهودكم كشباب. وعلى الورش أن تشمل المؤمنين وغير المؤمنين، مما ينتج مقاربة عملية واقعية تحاكي نسيج المجتمع اللبناني.الهدف توحيد الجهود للمطالبة بوضع حد لسلطة رجال الطوائف وإلغاء الطائفية السياسية، فمشكلة لبنان تكمن بالطائفية، لا بالطوائف.

وماذا عن موقف الدين الإسلامي من الزواج المدني؟ الزواج في الدين الإسلامي هو زواج مدني، ولا يتطلب حضور شيخ، ومن الممكن أيضا توكيل خوري لإجراء العقد، وقد يجري العقد حتى دون وكالة. الفارق أن الزواج المدني يضع شروطا ملزمة قد تكون باطلة في الشرع وبالتالي تبطل العقد الشرعي. الأضمن أن يجري الزواج تحت مظلة الشرع لا خارجها، أي أن يكون الزواج مدنيا لكن ضمن شروط فقهية. كالتصريح بـ “زوّجتُك نفسي” مع ذكر المهر. فلنتفاهم إذن على صيغة علاقة مدنية بين الزوجين لا تتناقد مع الفقه الإسلامي.

ختاما، ما النصائح التي تتوجه بها للشباب اللبناني العلماني؟ سأختصرها بالقول “علمانية وإمشي، ما بيمشي!”، لأن هذا تهرب من المسؤولية. على الشباب العلماني الإختيار بوعي ودقة أي نموذج علماني يريدون، فليس هناك تعريف ثابت للعلمانية. لذلك، فليختاروا نموذجا يتماشى مع ثقافتنا. كما أنصح الشباب بعدم التطرف. فالتطرف يقتل أي فكرة. كما وأطلب من رجال الدين أيضا أن يعملوا على نقض نقضهم للعلمانية!

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.