مجلة تواصل مدني- العدد 8- 10/2013- مقالة

0

مجلة تواصل مدني – العدد 8- عن شهر 10/2013- مقالة – ص. 19- شبيب دياب

تفكك الدولة اللبنانية- د. شبيب دياب

تنقسم البلاد ومنذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005 انقساما حادا بين تيارين سياسيين هما: فريق 8 آذار وفريق 14 آذار، هذا الانقسام العمودي في السياسة أدى إلى انقسام في الاجتماع اللبناني، تغذى من الخطاب الطائفي أو المذهبي لمختلف مكونات الطبقة السياسية اللبنانية، وقد  ساهمت وسائل الاعلام اللبنانية والعربية المملوكة من الطبقة السياسية عينها، أو من حلفائها الاقليميين، في الترويج لهذا الخطاب، وقد شمل الاستقطاب هذا  في ما شمل مؤسسات الدولة المختلفة؛ بدءا بالاجهزة الادارية والامنية وصولا الى المؤسسات الدستورية، ولم يسلم منه الدستور اللبناني نفسه، حتى بات موضع تفسيرات وتأويلات يطلقها كل من فريقي النزاع، وفقا  لمصلحته الفئوية الآنية الخاصة، دونما أي اعتبار للمرجعيات الحقوقية العلمية أو المؤسساتية، كما المصلحة الوطنية العليا للدولة والوطن.

وقد أدى التفكك الاجتماعي- السياسي بخلفيته الطائفية إلى استتباع المؤسسات الحكومية على اختلافها لهذا الفريق السياسي الطائفي أو ذاك، تبعا للتوزع االطائفي للمراكز القيادية فيها. فبات لكل طائفة مؤسستها الدستورية: رئاسة الجمهورية.. مجلس النواب.. رئاسة الحكومة، ولم يكن ممكنا أن تسلم  من هذا الاستتباع المؤسسات الإدارية والأمنية حتى بلغت السلطة القضائية، رغم ما تتمتع به من حصانة معنوية ودستورية، حتى بتنا أمام مشهد دولة تتفكك تدريجيا لصالح الدويلات الطائفية، ولم يبق إلا الجيش اللبناني والمصرف المركزي خارج الاستتباع هذا نظرا لحاجة جميع الاطراف إليهما.

ولما بلغ تفكك الدولة خطوطه الحمر بات الخطاب السياسي يتباكى على الدولة والسيادة الوطنية المخترقة من الداخل؛ بالمربعات الأمنية الآخذة بالاتساع على مدى الوطن، أو المخترقة خارجيا من قبل العدو الإسرائيلي أو الشقيق السوري. ويلقي كل من الفريقين المسؤولية على الآخر ويدعي كل منهما أنه يعمل للحفاظ على الدولة والسيادة الوطنية.

لا شك أن الدولة اللبنانية قائمة ومبنية إلى حد ما، أنها دولة كانت في طور البناء قبل الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975، وخاصة في المرحلة التي سميت الشهابية، إذ تميز عهد الرئيس فؤاد شهاب عن بقية العهود السابقة واللاحقة بإنشاء مؤسسات الدولة الرقابية والتنموية والراعية للشأن الاجتماعي، كما تم انشاء مجلس الخدمة المدنية الذي عزز الإدارة بكفاءات غير مرتهنة لأية مرجعية سياسية أو طائفية. وبدأ المواطن يشعر بالاطمئنان إلى مستقبله وانتمائه إلى الدولة، لاسيما أصحاب الكفاءات، كما أولى عناية خاصة بالمناطق الطرفية المهملة، طلبا لولائها أيضا للدولة والوطن. ولكن سرعان ما أفرغت الطبقة السياسية عينها إصلاحات الشهابية من مضمونها، وذلك بالعودة عن تلك الاصلاحات مباشرة أو مداورة في مسعى منها لاستعادة نفوذها في التنفيعات بالعلاقة الزبائنية بين السياسي والمواطن والوجيه المحلي. وأدت الحرب الاهلية إلى تراجع دور الدولة لصالح الميليشيات التي عادت أحزابا سياسية طائفية، تستولي في مرحلة السلم الاهلي على مقدرات الدولة ومؤسساتها، تعزيزا لمواقع النفوذ في الدولة نفسها وعلى حسابها، في اطار الصراع الدائر على السلطة بين أفرقاء الطبقة السياسية المهيمنة.

واللافت في هذا الصراع أنّ أيا من الأفرقاء لا يريد إعادة النظر بالنظام السياسي اللبناني منعا للمساس بطائفية هذا النظام الذي تعززت طائفيته في النصوص منذ الاستقلال وحتى مؤتمر الطائف بداية التسعينات، وتعززت الطائفية في النفوس منذ العام 2005 وحتى تاريخه في حملة مذهبية قذرة لم  تترك سلاحا إلا واستخدمته ، حتى أصبحت الطائفية النواة الصلبة للنظام السياسي اللبناني والتي بات واضحا تكريسها وتعميقها في النصوص كما في النفوس بفعل متعمد من الطبقة السياسية التي تتشكل من الموالاة والمعارضة على السواء.

هذا الحال الذي وصلت إليه البلاد يطرح التساؤل: هل سُدّت آفاق التغيير؟ وهل سيُتاح للبنانيين بناء دولتهم العادلة: دولة القانون والمؤسسات؟ وهل هنالك من قوى تحمل هذا المشروع الوطني؟ هذا ما سنتطرق اليه في فرصة اخرى.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.