مجلة تواصل مدني العدد 17: الوزير زياد بارود: لا أمل في هذا النظام

0

مقابلة لمجلة تواصل مدني وموقع تيار المجتمع المدني – العدد 17 عن شهري آب / أيلول 2016

أجرى المقابلة أديب محفوض

الوزير زياد بارود: لا أمل في هذا النظام

وزير الداخلية السابق زياد بارود، الناشط في المجتمع المدني، الذي وفد إلى الحكومة وتولّى وزارة الداخلية من خارج نادي المرشحين لتولّي هكذا مراكز سياسية هامة، دخل الى نظامٍ يرفضه ويطمح إلى إصلاحه إذا تعذّر تغييره، علّه يكمل قدر الإمكان من الداخل، ما عمل عليه من الخارج، من توجّهات إصلاحية لبنية النظام، عبر إصلاح النظام الانتخابي، حيث كان أمينا عاما للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، وعضو اللجنة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية. 

تصادم مع هذا النظام في محطّاتٍ عديدة أثناء توليه الوزارة، ما دفعه إلى تقديم استقالته.

وبعد خروجه من الوزارة والحكومة زاد قناعةً بوجوب تغيير النظام السياسي اللبناني جذريّاً. 

عن رؤية الوزير بارود للنظام السياسي المترنح تحت وزر أزماته التي لا تنتهي، وعن الحراك الذي وصل إلى لحظة هز بنيان السلطة، كان لمجلة تواصل مع الوزير زياد بارود المقابلة التالية: 

الوزير زياد بارود - تواصل مدنيوزير الداخلية السابق زياد بارود

 استلم زياد بارود وزارة الداخلية باعتباره أحد وجوه المجتمع المدني. هل يمكن الوصول إلى السلطة من هذا المنطلق، وبدون وجود تحالف سياسي مع إحدى جهاتها؟ بمعنى آخر، هل فعلاً تقبل الطبقة السياسية بإدخال ناشطي المجتمع المدني إليها فقط باعتبارهم كذلك، علماً بأن هؤلاء الناشطين يُفترض بهم أن يكونوا خصوماً لها؟

الخصومة المفترضة بين المجتمع المدني والسلطة هي بسبب أداء هذه الأخيرة لأنها أمعنت طوال سنوات في الشرخ وأمعنت في التفرّد، وجعلت من المواطنين زبائن في حلقة فساد هائلة وخدمات لقاء الولاء لها. وبالتالي، من الصعب فعلا تصوّر دخول ناشطين من المجتمع المدني دائرة السلطة بهذا المعنى.

وفي اعتقادي إن دخولي وزارة الداخلية بغير مذكرة جلب أو إحضار كان نتيجة أمرين: حاجة اللحظة السياسية يومها وظروفها بعد اتفاق الدوحة إلى وزير داخلية يقبل به طرفا النزاع، ويقبلان بتوليه إدارة الانتخابات بصورة حيادية، والأمر الثاني كان ما راكمْته من تجارب على مدى سنوات في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات وفي هيئة قانون الانتخاب ومحطات أخرى، فتقاطع الأمران وعززتهما رغبة الرئيس سليمان بمنحي ثقته، موافقة سائر القوى السياسية. لا أكثر ولا أقل. 

 إذا كان تعيينك وزيراً للداخلية تمّ باعتبارك وجهاً من وجوه المجتمع المدني ومن رموز النضال من أجل المواطنة والحريّات العامة، عندما بدأت تُمارس مهامك رسميّاً، كنت تشعر بأنك ممثلاً للمجتمع المدني أم للجهة السياسية التي اختارتك من ضمن حصّتها في الحكومة؟

منذ اللحظة التي توليتُ فيها الداخلية، لم يعد يحقّ لي أن أدّعي الانتماء إلى المجتمع المدني. أولا لأن المجتمع المدني لم يكلّفني بالمهمة، وبالتالي لا يجوز أن أدّعي تمثيله، وثانيا لأن المجتمع المدني لا يمكن أن يكون جزءا من السلطة وإلّا انحرف عن دوره. ولكن هذا لا يعني أنني تخليتُ عن علاقتي العضوية معه أو عمّا دافعت وناضلتُ من أجله ضمنه، بل حاولتُ أن أنقل همومه ومطالبه من دون أن أدّعي تمثيله. كثيرة هي المواضيع التي نقلتها معي إلى الداخلية، أذكر منها شطب القيد الطائفي وإدخال الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي إلى أروقة الوزارة والتعاون مع جمعيات مختلفة في أكثر من مجال والاستعانة بالمتطوّعين. 

 من انجازاتك في الوزارة، والتي من خلالها جسّدت هدفاً نضالياً لبعض هيئات المجتمع المدني، إصدارك تعميماً بموجبه يحقّ لكلّ مواطن لبناني ألا يصرّح عن القيد الطائفي في السجلات الشخصيّة (شطب القيد الطائفي) إضافةً إلى هذا الإنجاز، ما هي الانجازات التي يعتبر الوزير بارود أنه حققها خلال توليه الوزارة؟

ليس ثمة إنجازات! الإنجاز هو أن تقوم بأمر خارج المألوف وفائق التميّز. ما قمتُ به كان فقط واجبي والحد الأدنى المطلوب. غريب كيف يصفق الناس لمسؤول لا يقوم إلا بواجبه فتُرفع له اليافطات لا لأمرٍ إلا لأنه أعطى الناس حقهم على الدولة.

أرفض الكلام عن إنجازات ولا بدّ لنا من وقف التبخير لمن يقوم بما عليه أصلا. طبعا ثمة أمور أعتزُّ بأنني قمتُ بها وحققتُها كحق التصريح أو عدم التصريح عن القيد الطائفي بمواكبةٍ من المركز المدني ومطالبة مزمنة من كثيرين على رأسهم السيد طلال الحسيني. أعتز أيضا بإجراء الانتخابات النيابية عام ٢٠٠٩ في يوم واحد وبإدارة جيدة وشفافة للانتخابات مع فريق عمل نشيط وفعّال، مع تسجيل أسفي لشق الإنفاق المالي في القانون الذي لا بدّ من تعديله ورفع السريّة المصرفية عن كلّ حسابات المرشح. 

 ما الذي حال دون إقرار مشروع قانون البلديات الذي عملت على وضعه أثناء تولّيك وزارة الداخلية؟

المشروع أقر في مجلس الوزراء بعد خمس جلسات طويلة خُصّصت له، وقد تم إحداث خرق مهم برأيي يتمثّل بالنسبيّة وبأمور إصلاحية أخرى. المشروع اليوم في المجلس النيابي وقد يُبنى عليه في المستقبل.

 كيف تُقيِّم الانتخابات البلدية الأخيرة، أية إيجابيات وسلبيات ترتّبت على إجرائها؟

أهم الايجابيات أن الانتخابات حصلت في موعدها في زمن التمديد الرديء ولا سلبيات في إجرائها. وحسناً فعلت وزارة الداخلية والحكومة بالإصرار على الانتخابات. تداول السلطة إيجابي وكذلك تجديد الثقة بالمنتخبين أو حجبها عنهم. طبعا يبقى القانون بحاجة إلى تطوير لاسيما لجهة اعتماد النسبيّة التي ستتيح مشاركةً أوسع. ما رأيناه في مناطق عدّة، بما فيها بيروت، يدلّ على وجود عناصر شابّة ومجتمع مدني حيّ في البلديات لا بدّ من إعطائهم فرصة لا يتيحها النظام الأكثري.

 ما هو توصيفك للتمديد لمجلس النواب مرتين ولولاية كاملة؟

تمديد مخجل ومخزي ولا شيء يبرّره. وإذا كان رأيي فرديا، فماذا عن المجلس الدستوري الذي، على رغم من ردّه الطعن في تشرين الثاني ٢٠١٤، إلا أن تعليله واضح لجهة قوله بعدم دستورية التمديد؟ وللتذكير، فإن قرار المجلس الدستوري قال بكل وضوح بضرورة إجراء الانتخابات النيابية فور زوال “الظروف الاستثنائية” وقد زالت بمجرد نجاح إجراء الانتخابات البلدية.  

 بصفتك عضو في الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية التي شُكِّلت في العام 2005 وعُرفت بلجنة فؤاد بطرس، هل لا زلت تتبنّى مشروع القانون الذي وضعته تلك الهيئة (المختلط) أم أنه تولّدت لديك قناعات جديدة؟ 

ما انتهت إليه الهيئة في أيار ٢٠٠٦ كان نتيجة مناقشات وتوافق بين أعضاء الهيئة. شخصياً كنت وما زلت من محبّذي النسبيّة الكاملة، وقد أعددتُ مع فريق العمل في الوزارة عام ٢٠١١، مشروعا متكاملا يعتمد النسبيّة في ١٥ دائرة لم يُكتب له أن يناقش في ظل اللحظة السياسية آنذاك. أما المختلط فيمكن أن يشكّل تسوية بالمعنى الإيجابي فيجمع، كما قال أحد الباحثين، “أفضل ما في العالمين”.

 وفق تقديراتك، هل ستجري الانتخابات النيابية في مواعيدها؟ وإذا جرت فعلى أساس أي قانون؟ 

من غير المقبول التشكيك دائما في إتمام الاستحقاقات في مواعدها، خصوصا أنها ليست فعلا في موعدها بعد تمديدين طويلين. نعم يجب أن تجري الانتخابات قبل ٢٠ حزيران ٢٠١٧ وبقانون جديد، وهذا أمر ممكن حتى الآن إذا صفت النوايا. أما إذا تخطّينا آخر السنة الحالية على أبعد تقدير فنكون دخلنا دائرة الخطر، ويكون القانون ٢٥/٢٠٠٨ المعروف بقانون الستّين هو، بكل أسف، الساري المفعول. بكل أسف. 

 كيف واكب الوزير بارود الحراك المدني الذي نشأ على خلفية أزمة النفايات؟ 

منذ اللحظات الأولى، غرّدتُ عبر تويتر داعياً الجميع إلى ترك الساحة للناشطين من دون أي استغلال من السياسيين “منّي وجُرّ”، لقناعتي بضرورة إعطاء حيّزٍ لهذا التحرّك اللاطائفي الذي جمع اللبنانيين واللبنانيات حول مشتركات. واكبت التحرك الشعبي بدعم غير ملتبس مع نأي بالنفس عن أي استغلال له. 

 برأيك، ما مدى فاعلية هكذا حراك في ظل الحماية الشعبية الطائفية لرموز الفساد في السلطة؟

التحرّك كسر هذه الحماية المطلقة وجعلها نسبيّة. لم تعد الزبائنيّة بالفعاليّة ذاتها، وقد فرض التحرّك تغييرا جوهريا في طريقة تعاطي أهل السلطة مع الناس وقضاياهم. ثمّة شيء تغيّر. وأجزم أن الطبقة السياسية كانت في حالة قلق كبير في الأيام الأولى للتحرّك الذي أربك استقرارها. لكن عامل الوقت كان للأسف لصالح السلطة.

 ما السبب الأساسي الذي تعتبره حال دون تحقيق أهداف الحراك في كل محطاته؟

تحالف أصحاب المصالح المشتركة من أهل السلطة، وقدرتهم على إحداث الفوضى والتخوين واستنفاذ عامل الوقت من جهة، والحاجة ضمن التحرّك لخارطة طريق لم يكن الوقت متاحا للاتفاق عليها وتنفيذها، من جهة أخرى.

 هل أنت متفائل بإمكانية تحقيق هيئات المجتمع المدني والقوى السياسية غير المنضوية في السلطة، لخرقٍ ما في جدار هذا النظام؟

أنا دائم التفاؤل لأن قدرات مجتمعنا هائلة. الخرق لن يأتِ إلا بالضغط والتحالفات المطلبية الواضحة وبتخطّي اللحظة السياسية، وأعني بذلك أن الانتخابات ليست بالضرورة المحطة الأهم.

 هل ترى أن السلطة السياسية بمكوناتها الطائفية قد وصلت إلى حالٍ من الضعف يفرض عليها أن تقبل مشاركتها إدارة البلد، من قبل من يطرح نفسه بديلاً عنها، وبالتالي يُهدّد وجودها ويُعكّر عليها صفو فسادها؟

ليس بعد للأسف. يكفي النظر إلى كيفية إدارتهم ملف قانون الانتخاب ومدى ممانعتهم مجتمعين لأي خرقٍ على هذا المستوى. لا شراكة من جانب السلطة إلا بالاضطرار والضغط. لن يُشركوا أحدا من خارج النادي إلا قسرا وجبرا.

 كيف تفسّر هذه الظاهرة الغريبة: فساد مستشري في كامل جسم الدولة ومؤسساتها، وسرقة ونهب وهدر للمال العام ومحسوبيات وعُنف .. ، وشعب يرزح بأكثريته تحت خط الفقر، ولا ترصُد أي ردة فعل من معظم الفئات المُهمّشة؟

من قال إن الحق ليس علينا؟ ضحايا الفساد باتوا يعانون من ظاهرة “ستوكهولم” (le syndrome de Stokholm)، واتّسعت دائرة الفساد ودخلت انتخابات مندوبي الصفوف في المدارس الابتدائية! فبات الموضوع للأسف ثقافيا. أضف إلى ذلك الإضعاف الشديد والمقصود للهيئات الرقابية. التحرّك الشعبي يحتاج إلى تنظيم ومنهجيّة ونفس طويل. مثلا: تحرّك “بدنا نحاسب” يستحقّ الثناء لأنه استمرّ يضغط ويطرح الصوت عاليا.

 إحدى مقالاتك الأخيرة حملت عنوان: “ليس بالنسبية وحدها”ما أهميّة اعتماد نظام الاقتراع النسبي في أي انتخابات مُقبلة في لبنان؟ إلى ماذا نحتاج إضافة إلى النسبية لإصلاح النظام السياسي؟

أهمية النسبية أنها لا تلغي تمثيل أحد ولا تضخّم تمثيل أحد. أهميتها أنها تحمي الأقليّات السياسية قبل الطائفيّة من التهميش. أهميتها أنها أفضل وسائل إدارة التنوّع بكل أشكاله. لكنها وحدها لا تستطيع أن تصلح النظام السياسي. هي وسيلة وليست غاية. إصلاح النظام ورشة كبيرة جزء منها دستوري وآخر إداري، ولا ننسى أن الإصلاح مناخ والإصلاح إصلاحيين صادقين.

 هل تتوقّع أي حل من الطبقة السياسية الحالية، وهل هناك أي أمل من النظام السياسي الحالي؟

إطلاقا. حتى أبناء هذه الطبقة أنفسهم لا يؤمنون بقدرتهم على ذلك. النفايات نموذج!

 ما رأيك بالحلّ الذي وضعه المطران غريغوار حدّاد للمعضلة اللبنانية، والذي يتلخّص بكلمتين:”العلمانية الشاملة”؟

المطران حداد صوتٌ صارخٌ في البريّة. ثمة محطّات يمكن أن تأخذنا إلى العلمانية عن طريق الدولة المدنيّة. هل أنشئ مجلس الشيوخ الذي قال به اتفاق الطائف؟ هل اعتمدنا قانونا انتخابيا لا يزكّي الكلام الطائفي على خلفيّة الاستهداف والتهميش؟ المسار طويل والمطلوب خارطة طريق ومجموعات منظّمة لديها رؤيا ونفس طويل. 

11

من مشاركة الوزير بارود في ورشة عمل تيار المجتمع المدني في 10/10/2009 التي تناولت موضوع قانون الانتخابات

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.