تحقيق مجلة تواصل مدني العدد 7 عن أحداث جبل محسن وباب التبانة

0

جبل محسن وباب التبانة قصة حقد تتوارثه الأجيال

تحقيق رانيا حمزة

من يتابع عودة الاشتباكات المسلحة ولعبة القتل الى منطقتي جبل محسن وباب التبانة التي اخذت طابعاً طائفياً يخال أن هذه فعلاً طبيعة الأمور، على اعتبار أن الجبل هو حصة الطائفة الإسلامية العلوية فيما الأغلبية الساحقة من أهالي منطقة التبانة هم من السنة، إلاّ أن الحقيقة الواضحة، ان هذه المنطقة، ضحية قوى سياسية محلية وإقليمية قررت تصغير ملعب معاركها فاختارتها لإعتبارات عدة ديموغرافية ومعيشية ولأن لها ماضياً أليماً وجرحاً دفيناً يعودان الى زمن الحرب الأهلية لذا كان من السهل نكأ هذه الجرح واللعب على الوتر الطائفي لتصفية حساباتها في منطقة باتت تعرف بـ”صندوق البريد” وفي بلدٍ تجذرت الطائفية في شرايينه برعاية الدستور وزعماء الطوائف.

 

في الأصل فالتبانة، منطقة واحدة مسالمة يعيش أهلها بألفة ومحبة وتجمع بينهم روابط عائلية على إختلاف مذاهبهم ومللهم وقد عرفت قديماً بـ”باب الذهب”، حيث كانت منطقة إقتصادية من الدرجة الاولى بل المحرك الأول لعجلة الإقتصاد في طرابلس، وخزان المثقفين فقد خرّجت أطباء ومهندسين ونواب.

ثلاثون عاماً مرت على الحرب الأهلية الإ ان المنطقة التي شهدت فترة من السلم الأهلي إمتدت منذ إتفاق الطائف وحتى العام 2008 لم تستطع أن تنسى جراحها، فالرفاهية تحولت فقراً مدقعاً والطبقة المثقفة هجرتها ولم يبقَ في رحابها سوى جيل ولد في زمن الفاقة وأقصى آمال رب المنزل فيها سد رمق أسرته.

فما هو موقف الناس مما يجري وهل صحيح ان التحريض الطائفي ينسف قواعد السلم الأهلي؟

إلى جبل محسن وتحديداً إلى حي لطيفة الذي يمتاز بتعايش فريد لكوكبة من الطوائف حيث كان هناك لقاء مع عدد من الأهالي تحدثوا خلاله عن الأيام الخوالي والأزمة الحالية وما يستشرفونه في المستقبل.

في حديثٍ مع المدعو خضر 44 عاماً قال عن ذكريات طفولته في حارة البقار وتحديداً حارة التنك فيها حيث في عمر السبع سنوات كان يقف الى جانب أهلها “السنة” عندما يشنون هجوماً بالحجارة على أهالي منطقة الملاحية “العلوية” في جبل محسن ،أما عن أسباب الإشتباكات المتكررة بين المنطقتين فيقول:” قبل الحرب كنا نعيش كأهل فهناك مصاهرة بيننا، ومحور جبل محسن والتبانة ليس محوراً واحداً إنما يضم الى ذلك المنكوبين والقبة والشعراني والسيدة وكلهم لديهم أقرباء من عندنا”.

يضيف: “في الآونة الأخيرة تعززت الطائفية والمسألة باتت إقليمية، وبات أكبر زعيم في لبنان عاجزاً عن حلها… نحن ليس لدينا مشكلة مع احد ولكن جاءت الجماعات المتطرفة ودخلت بيننا وراحت تكفر السني الذي يصافح العلوي… في العام 1989 جرت مصالحة بين أهالي الجبل وباب التبانة وجمعت أسلحة الأحزاب وسلمت للدولة، لكن الطائفية كالحقنة يأتي من يحقنها داخل الناس فتبدأ المعارك. وخط التماس بين المنطقتين خط وهمي يظهر ويختفي كلما دعت حاجة السياسيين. الحل بأيدي الزعماء ولا مصلحة لهؤلاء بإلغاء الطائفية”.

لا ينكر فؤاد 34 سنة  تعصبه الطائفي فهو أنهى دراسته الجامعية ومع ذلك اضطر لأن يتراجع عن فرصة عمل له في الخارج عرضت عليه، ليكون بالقرب من عائلته في ظل تأزم الأوضاع وهو يتحين الفرصة لعودة المعارك.

أما أبو محمود 30 عاماً، فلديه أقارب من الطائفة السنية من التبانة والميناء فأمه سنية وهو ضد الإقتتال لكنه لا يرى مهرباً من الامر لانه في وقت المعارك “تنسى مصارين البطن بعضها”.

في باب التبانة، لدى علي 29 سنة محل لميكانيك سيارات ومنزل في التبانة وهو متأهل ولديه أولاد، لا يذكر أنه كانت هناك نبرة طائفية بين الناس قبل ألـ 2008 وعن ذلك يقول:” ترعرت في منزل غير طائفي كما ان عملي في السيارات يحتم علي التعامل مع أناس من مختلف الطوائف ولدي أصدقاء في الجبل وعندما تهدأ الأوضاع أزورهم ويزورونني والحمد الله المعارك لم تؤثر على علاقتي بهم”.

في العام 1950 جاء خالد عبد الكريم المحيّط 75 سنة مع أهله من منطقة المنية الى باب التبانة، وهو مؤذّن لأحد الجوامع فيها، وعن المنطقة يقول:” زوجتي مسيحية وأنا لا أذكر في حياتي أن كان للطائفية وجود بيننا أو كنّا نميز بين فرد وآخر حتى أن علي عيد وإبنه رفعت أصدقائي. الزعران هم الذين يفتعلون المشاكل في الماضي كنت أشارك في المصالحات التي تتم بين الأهالي أما الآن فقد بلغت من العمر عتيّا. الحل في رأي بأيدي الزعماء عندما يتفقون ينتهي الخلاف وحين ينزعون السلاح من أنصارهم تحل المسألة”.

ليس الحديث عن السلم الأهلي والمصالحة من الموضوعات المفضلة لعبد الله 25 سنة، على الرغم من انه صاحب محل للدواليب في التبانة لا علاقة له في المعارك وعن السبب يقول:” على اي أساس تتم المصالحة بين الزعامات، ومن كلفهم ان ينوبوا عنّا هل منزلهم تضرر؟ وهل أقاربهم من تعرضوا للقنص؟ … أما الحقد الموجود لدى الناس فتلغيه مصالحة حقيقية بين الأهالي والقيام بإرضاء كل متضرر من الحروب ومعالجة مشكلة البطالة وتأمين الوظائف للشباب ورعاية مصالحهم ولا حل آخر”.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.