تحقيق – مجلة تواصل مدني العدد 20 – علاء عيتاني : النادي العلماني في الجامعة اليسوعية

0

تحقيق علاء عيتاني

النادي “العلماني” في الجامعة “اليسوعية” : العلمانية تخطو بثبات … نحو الجامعات

قد يبقى الاسم على ما عليه وتشعر بأن المؤسسة الأكاديمية العريقة التي تأسست عام 1875 على يد الآباء اليسوعيين تسعى إلى مواكبة التطوّر العالمي والموجة العلمانيّة في أوروبا وفرنسا بشكل خاص. ورغم ميل إدارة الجامعة إلى خط سياسي طائفي معين، وذلك يظهر بممارسات معينة كمثل وجود صورة الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميّل مُعلقة في الطابق الأوّل من مبنى كلية إدارة الأعمال والعلم الإداري في حرم هوفلان منذ الحرب اللبنانية، معلّلة بأنّه تلميذ سابق في الجامعة، لا يقتصر الانفتاح على النادي هذا وحسب، بل إنّ وجود اختصاصَي الإسلاميّات والدراسات الإسلاميّة-المسيحية فيها يعكسان شكل سياسة الجامعة.

حصل النادي العلماني، في شهر تشرين الأوّل من عام 2013، على موافقة التأسيس من إدارة الجامعة وبدأ نشاطه منذ تلك الفترة. وحتى عام 2015، اقتصرت نشاطات وصلاحيات النادي على تنظيم ندوات ونشاطات توعوية وتدريبية بعيدة عن الحياة السياسية في الجامعة. شارك النادي في انتخابات الجامعة لأول مرة في 30 تشرين الثاني 2015، وجرت العملية الانتخابية التي أطلقت عليها إدارة الجامعة شعار “يوم الديموقراطية” وفقاً للقانون النّسبي.

 

ينصّ بيان النادي العلماني في الجامعة اليسوعية على أن النادي المذكور يضم مجموعة من الطلّاب المستقلّين، يتشاركون في معتقداتهم قيم علمانية، ديموقراطية وتعددية. وفي هذا الصدد، يردّ رئيس الناّدي السابق باتريك أزرق (طالب علوم سياسية في الجامعة اليسوعية – هوفلان) في حواره على سؤال لتوضيح مفهوم الاستقلالية بالنسبة للنادي، بأنّ أعضاء النّادي، وكلّ من يودّ الانضمام إلى النادي، يشترط عليهم أن يكونوا مستقلين تماماً عن أحزاب وتيّارات ومجموعات السلطة الحاكمة الحاليّة، انتماءً وانتساباً. وعندما ذُكرتُ الأحزاب اليساريّة اللبنانية، لا سيّما الحزب الشيوعي منها، أجابني بتردد أن الطلاب المُنتمين لأحزاب يسارية ينظر بأمرهم، فقد تتشابه بعض القيم الأساسية.

وعن استقلاليّة النادي عن أي حزب أو مؤسسة مجتمع مدني وعن أي مجموعة، أياً كانت، بادر أزرق في الحديث، فشدّد على أن النادي يرفض الانتماء إلى أي مجموعة أو فريق، حتى ولوكان يشاركه قيمه ومبادئه ومعتقداته. لقد عُرض على النّادي الانضمام إلى عدّة مجموعات مرّات عدّة، لا سيّما خلال فترة الحراك المدني. فقرر الاكتفاء بالمشاركة بالاعتصاماتانطلاقا من أحقيّة المطالب وتشارك القيم والمبادئ السياسية والاجتماعية الجوهريّة. يبرر أزرق سياسة استقلالية النادي بأنّ فكرة العلمانية غير ناضجة لدى المجتمع اللبناني، “واقفة على صوص ونقطة”! ثقافة العلمانيّة في لبنان تعتبر في طور نمو بطيء، تتعرّض لكدمات وتحجيمات بشكل دائم من أصحاب النّفوذ والمراجع الرّوحيّة والإعلام، فلا تتحمّل أي خطوة خاطئة من قبل الأطراف الخارجية التي قد تعرّضها، وبالتالي قد تعرِّض النادي الّذي يتّخذها عنواناً له، للتشوّه.

وفي موضوع التغيير، المذكور أيضاً في بيان النادي كهدف يؤمن به مؤسِسُوه وأعضاؤه، كان السؤال: هل تكمن آلية تحقيق التغيير “الجذري” الذي يؤمنون به عبر بلوغ الأحزاب العلمانية والإصلاحية الحكم وإنشاء دولة مدنية علمانية يكون فيها الكل تحت سقف القانون؟ أم أن التغيير برأيهم يحدث عبر عملية طويلة الأمد يتخللها تقويم الأفكار والمعتقدات الطائفية والمذهبية والانغلاقية لدى الأفراد، فتكون ثورة ثقافية، أي قولبة مفاهيم المجتمع الجوهرية، فتتغير الممارسات الاجتماعية والسياسية بشكل أوتوماتيكي؟ فكان الجواب أن التغيير يحدث عبر الوسيلتين بشكل متوازٍ، فكلّ وسيلة تساعد الأخرى. وهنا شدد أزرق أنّهم كنادي، وسائر المجموعات “التغييرية” كما يعتقد، يعانون من مشكلة “البصلة المحروقة”؛ فحديثِي الولادة مِن مُؤيّدي التغييريين، لا سيما المتأثّرون بموجة الحراك المدني، يتوقّعون السّحر والتغيير الفوري! فلا يلبثون أن يشاركوا في نشاط أو اعتصام أو أكتر، ولا يلمسوا نتيجة مباشرة، حتى يتوقفوا عن المشاركة عائدين إلى شعارات انهزامية واستسلامية.

لم ينتهِ الحديث هنا عن التغيير وحسب، بل طرح في الحوار مع أزرق، من باب المزاح الهادف، موضوع عبثيّة المصطلح. “التغيير”، العنوان الذي بات كوميديّاً بعض الشّيء، بحيث أنّه فضلاً عن الجمعيّات ومؤسسات المجتمع المدني والأندية والأحزاب العلمانية واليسارية التي تتخذ العبارة المعقّدة هدفاً وشعاراً لها، لا تسلم العبارة المبتذلة من استعمال الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية الحاكمة الفاسدة، وتطلقها عناويناً لمشاريعها وكتلها بكلّ وقاحة! إنّ عبارة “التغيير” باتت(كليشيه)، فكيف يمكن لها أن تنسلخ عن يافطات ومطبوعات الحملات لتصبح ترجمة لواقع مرئي؟فوافق أزرق هنا على ابتذاليّة العبارة، لكنّه، كممثّل عن النادي، يؤمن بأن أبسط النشاطات والندوات التي يقيمها النادي تحدث تغييراً، على صعيد الجامعة على الأقل، باعتبار أنّ الجامعة اليسوعية ذات الطلّاب المُتعدّدين انتمائيّاً تمثّل المجتمع اللبناني بشكل مصغّر. فالندوات التي يقيمها النّادي التي تحمل عناوينَاجتماعيّة تتخلّل مواضيعاً مثيرة للنقاش، تجمع طلّاباً من عدّة انتماءات في قاعة واحدة “بلا ما يْخَبْطو بعض”، فهذا يعتبر إنجازاً “تغييريّاً”. كما ويعتبر أنّ النشاطات الاجتماعية الخيريّة التي يقوم بها النادي، كتوزيع هدايا وملابس في الأعياد، تندرج تحت عبارة “تغيير” ولو بصورة رمزية، بحيث أنّ تحسين مزاج بعض الأشخاص ولو ليوم واحد هو “تغيير”! والأهم من هذا كلّه، فوز النّادي في انتخابات الجامعة بعدّة مقاعد في العامين الأوّلين من مشاركة النادي في الانتخابات (2016-2015) يعتبر التغيير الأهمّ.

تتم العملية الانتخابية في الجامعة اليسوعية بترشّح طلابضمنلوائح لا تحمل عناويناً تبيّن الأحزاب والجهات المنتمية لها. فلا يمكن للائحة، على سبيل المثال، أن تحمل عنوان “المستقبل” إن كانت لائحة طلاب منتمين لتيّار المستقبل. لكنّانتماءات اللوائح واضحة بالنسبة للطلاب، كما ويغطّي الإعلام الحدث ويعلن فوز وخسارة اللوائح بعناوين الأحزاب الواضحة.

كانت شروط الانتخابات الطّلابية في الجامعة اليسوعية تمنعالأندية من أن ترشح أفراداً باسمهافي الانتخابات. غير أنّ الأمر تبدّل في العام 2015، حيث تمكّن النادي العلماني في الجامعة اليسوعية أن يشارك للمرة الأولى في الانتخابات الطلابية بعد تعديل القانون الدّاخلي للجامعة المتعلّق بالانتخابات الطلّابية. ورغم إتاحة القانون الجديد في الجامعة الفرصة أمام الأندية للمشاركة في الانتخابات، إلا أنه اشترط أن يكون للنادي طابعأو وجه سياسي.

يعتبر عام 2015 نقطة تحوّل هامّة بالنسبة للنادي العلماني بعد مشاركتهفي انتخابات الجامعة، وكان ايضاً للحراك المدني آنذاك تأثيراً هامّاً عليه، فانضم إلى النادي عدد كبير من الطلّاب المُتأثّرين بموجة “التغيير” والطامحين له والمُستائين من الفساد المستشري في الطّبقة السياسية الحاكمة. لم تكن الاستفادة منالحراك المدني عام 2015 لصالح النادي العلماني وحسب، بل كانت استفادة مشتركة. فكما استفاد النادي من الحراك، شارك في اعتصاماته بشكل مؤثّر، ذلك رغم رفضه الانضمام إلى إحدى الحملات الرئيسية. وذلك، كما ذكر سابقاً، تحسّباً من أي مشاكل قد تشوّه “المولود الجديد”. ولم يندم النادي على استقلاليته هذه.

يقول باتريك أزرق أنّ الحراك قد “خبّص” في نهايته، ورغم ذلك، استمرّ النادي بالمشاركة في التحركات، ولكن تحت لوائه الشخصي.

يرى أزرق أن الحراك قد أخفق بسبب عدم وجود تنظيم ورؤيةواضحين، وبسبب اللاواقعية في التحركات. فكان تنظيم الحراك “يعلّي السقف” في تحرّكاته، على حد تعبير أزرق، ولم يكنبقدرته الاستمرار في السقف المرتفع ذاته. فعندما دخل المعتصمون فجأةً وزارة البيئة ورفضوا فكّ الاعتصام داخل الوزارة، على سبيل المثال، يشعر المشاهد أن التغيير “السوريالي” يبثّ مباشرةً على الهواء بكل واقعية، ولكن في الحقيقة بقي الحلم على حاله. هذا عدا عن نسبة الغرور المرتفعة بين مُحرّكي الحراك التي أدّت إلى صراعات داخليّة قلصت قوّته. فقلّة التنظيم وشبه انعدام الرؤيا، واللاواقعية والغرور حالت جميعها دون نجاح الحراك.

أخذت مشاركة النادي العلماني في الجامعة اليسوعية شكل اللوائح المستقلة في انتخاباتالعام 2015. وفي المشاركة الأولى له في انتخابات الجامعة، ورغم التنافس الرئيسي الحاد بين لوائح 8 و14 آذار وفوز “القوات” و14 آذار بأرجحية في معظم الكليات، حاز النادي العلماني على مقاعد في كلّيتي الطب والعلوم السياسية، ذلك إلى جانب لوائح مستقلّة أخرى.

في العام 2016، لم يشارك النادي العلماني بشكل لوائح مستقلّة في الانتخابات الجامعية، بل كانت مشاركته تحت عنوان “صفحة بيضا”؛ لائحة ضمّت مرشّحي النادي العلماني. اتّخذت اللائحة شعار “ماضيكم لكم مُستقبلنا لنا”. يحمل الشعار مضمون ريادي لكن برسالة ذات حدّتان مختلفتان: الماضي الدّموي الطائفي والمستقبل الواعد المدني، أو الماضي الذي يسعى النادي إلى تطويره وأخذه إلى مستوى أكثر مدنية. ويعتبر أزرق أن العنوان كان براغماتياً للابتعاد عن مصطلح “العلمانية” الذي ينفّر العديد من الطلّاب نسبةً لربطه غير الناضج بمفاهيم “لادينية”.

استطاعت “صفحة بيضا” تحقيق نتائج ممتازة نسبيّاً في انتخابات عام 2016، ففازت اللائحة بعدّة مقاعد في خمسة كلّيات، وكانت النتائج على الشكل التالي: 3 مقاعد في كلية الحقوق، 4 مقاعد في كلية العلوم السياسية، مقعدان في كلية الاقتصاد، 7 مقاعد في كلية تقويم النطق و6 مقاعد في كلية الهندسة الزراعية.

وفي فترة انتخابات العام 2016، قام النادي العلماني بحملة للحد من الممارسات غير الأخلاقية التي اعتاد عدة طلاب من اللوائح المنتمية لأحزاب السلطة الحاكمة بممارستها خلال فترة الانتخابات الطلابية في السنوات الفائتة. فكان يتعرض عدّة تلاميذ لرشاوى، ولضغوط نفسية وعاطفية، وكانت تُرسل سيارات التاكسي إلى منازل الطلاب المحتمل غيابهمعن الاقتراع لإحراجهم وجرّهم للانتخاب.فتضمّنتالحملة مجرّد تبليغ النادي عن أي ممارسات غير أخلاقية يتعرّض لها الطلّاب لفضح زملائهم الفاسدبن. وتعتبر التجربة فعالة، فقد بدأ التزام طلاب الأحزاب حدودهم الأخلاقية والديمقراطية يظهر أكثر فأكثر مع توسع الحملة.

وتعتبر مشاركة النّادي في تأسيس لقاء الطّلاب العلمانيين الذي انعقد في تيّار المجتمع المدني مطلع عام 2015 خطوة علمانية هامة بالنسبة للطرفين، النّادي والتيار. فكانت لاجتماعات تأسيس اللقاء، بين الاجتماع التأسيسي في مركز التيار في بدارو وورشة عمل لقاء الطلاب العلمانيين في برمّانا، تأثير هام على الحياة الطلّابية العلمانية في لبنان وعلى النادي العلماني في الجامعة اليسوعية الذي كان في حالة البزوغ آنذاك. اجتمع طلّاب النادي وطلّاب من عدّة جامعات لبنانية (الجامعة اللبنانية، الجامعة الأميركية في بيروت، الجامعة اللبنانية الأمريكية، الجامعة اللبنانية الدولية، الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا، جامعة سيدة اللويزة، جامعة الروح القدس-الكسليك، الجامعة العربية، الجامعة الأنطونية، جامعة الهايكازيان، الجامعة الإسلامية وغيرها..)، فكان لحقيقة تشابه القيم العلمانية وتعدد الثقافات والخلفيات وقع هام على حقيقيّة أوضاع الشباب ومدى تماشي وتجانس همومهم ومطالبهم وآراءهم التي ناقشوها واتفقوا على أسس ومفكّرة اللقاء بناءً عليها.

أمّا عن المشاريع القادمة، فوصف أزرق نشاطات النادي “بالداخلية”. فتتركز تلك النشاطات داخل حرم الجامعة وتكون بغالبيتها لطلاب الجامعة.

النادي العلماني في الجامعة اليسوعية ليس الأول من نوعه بين الجامعات. تنتشر عدة أندية ذات قيم أساسية علمانية في الجامعات اللبنانية، الخاصة منها والعامة، كما ويحمل نادي طلّابي في الجامعة الأمريكية في بيروت العنوان نفسه، “النادي العلماني في الجامعة الأمريكية في بيروت”. لكن كما يقال، “فخامة الاسم تكفي”! استخدام مصطلح العلمانية ما زال منفّر وغير مقبول اجتماعيّاً إلى حد ما، فتكرار إطلاقه على ناد جامعي أمر هام بالنسبة للشِق النفسي، بحيث يسهم في جعله أكثر قبولاً. وعمليّاً، حقيقة الخرق التدريجي للنادي العلماني في انتخابات الجامعة اليسوعية بين عامي 2015 و2016 تعكس واقع الشباب اللبناني المُتفائل، كما تعكس تطوّر الفكر النقدي لديه. هذا فضلاً عن أهميّة دور النادي التوعوي الذي يلعبه في التأثير في طلّابالجامعة، كجزء من الشريحة الاجتماعية النشيطة التي ستحدد في السنوات القادمة مستقبل لبنان.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.