بيير بورديو والجامعة اللبنانية – مقالة إياد سرور – العدد 24

0

يؤكد “دوركهايم” مراراً في كتاباته أن علم الاجتماع، يبقى حقلاً فلسفياً يتكون من خليط غير متجانس ومن تعميمات شاملة تقوم على اشتقاق منطقي من مبادئ أخلاقية موجودة مسبقاً، أكثر من دراسة تجريبية محضة.

ويرى “ماكس فيبر” أن الخلاص الأبدي أهم اهتمام في حياة انسان عصر الإصلاح، فقد كان مضطراً للسير في طريقه وحيداً لملاقاة مصيرِ، رٌسم له منذ الأزل”.

أحقاً لملاقاة مصير رسم له منذ الأزل!؟ لكن ماذا عن بورديو إله علم الاجتماع التربوي؟

يناقش” بورديو” مع زميله “باسرون” في مؤلفهما “معاودة الإنتاج” في التربية والثقافة والمجتمع من زاوية أن المجتمع مقسوم إلى جماعات مسيطرة وجماعات مسيطر عليها عن طريق “العمل ثقافيا”، الذي تضطلع به “الصفوة” والتي تفرض تعسفاً ثقافياً، على أنه التحديد الشرعي للثقافة التربوية، وهكذا يدعم المؤلفان المقولة التي تعتبر الأعمال التربوية عبارة عن “عنف رمزي” بمعنى فرض تعسف ثقافي عن طريق نفوذ ما (أو قدرة تعسفية).

وينتج عن هذا العنف الرمزي المفروض على الناس (ونحن منهم) أن يكون العمل التربوي نفسه هو سبب إخفاق العديد من أبناء الوطن غير الصفوة.

نعم نحن من غير أبناء الصفوة السياسية الممسكة بمفاصل النظام ومؤسساته الطائفية، نعم نحن من غير أبناء الصفوة الطائفية المتحالفة مع رأس المال، والتي تعيد إنتاج مؤسسات هذا النظام وبالتالي تعيد إنتاج نفسها.

وتتطلب المحافظة على مثل هذا النظام وصيانته حسب “بورديو” ان يحتكر النظام التعليمي(العالي) حكماً إعادة إنتاج العملاء أو الوكلاء التي تناط بهم مهمة إعادة الإنتاج.

فلنذهب إذن خارج النعيم، لكن كما يقول أحدهم إلى أين؟!

إلى جامعات خاصة لا طاقة لنا على دفع أقساطها! أو إلى دول وعواصم هي حكر على أولاد الطبقات الغنية كماركة تجارية وليس مؤسسات تعليمية فقط!

نعم الطريق إلى الدكتوراه شاق وطويل ودرب جلجلة، لكنه مستقيم وواضح، لا تدخل فيه الطائفية والانتماء المناطقي ولا حتى القرابة نعم القرابة!!

وبالتالي نؤيد حكمة التحليل أن المعلمين(الأساتذة) لا يتورعون عن تقدير التلامذة(الطلاب) الذين يمارسون في سلوكياتهم القيم التي يرتكز عليها رأسمالهم الثقافي. ويحملونهم على الاعتقاد بأهمية النفوذ الرأسمالي الثقافي ذاته، وبالتالي يحق لنا أن نسأل عن مكانة الإبداع والابتكار في البحث العلمي ومنهجيته!؟ وكيف يضعون أنفسهم في لجان تكون نفسها هي الحكم والحاكم والمحكوم عليه!؟

يريدون إقناعنا بعدالة نظام المقابلة وما أدراك ما المقابلة وكيف تتشكل؟ وممَ تتألف؟ وكيف تشتغل؟ وكأنها هيئة شورى أو مجلس عدلي لا استئناف فيه أو نقض لأحكامه، وإلا تصبح خارج الجنة أو مع الطرف النقيض!!!

كم عظيم أنت يا “ماركس” عندما تقول “أن نظام الامتحانات (المقابلة هنا) تحوّل المعرفة المدنسة إلى معرفة مقدسة”. واستطراداً ماذا عن ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية، وهو حق للكثيرين فليكن عبر امتحان أو مقابلة تبعا لنظام الجودة والمعايير الدولية التي أُتحفنا بها، وليس بقرار سيادي وزاري(سياسي) أترضون بذلك؟؟؟.

ما رأيكم بطالب دكتوراه سئل عن” بورديو” أمام لجنة بحثيّة في مقابلة وهمية، فلم تُستحسَن إجابته فطرد من نعيمكم؟

بورديو، حقاً إنك إلهٌ للعلوم الاجتماعية، لكنك لست إلهاً للجامعة اللبنانية.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.