بالتاسار غراسيان وفن الحكمة الدنيوية- اعداد لمى فياض

0

إعداد لمى فياض

العدد 23 من مجلة تواصل مدني عن شهر آب 2018

بالتاسار غراسيان

بالتاسار غراسيان إي موراليس (غراثيان/غراسيان/جراسيان/جراثيان) (Baltasar Gracián y Morales) هو فيلسوف إسباني، وكاتب نثري وأخلاقي باروكي. ينتمي للعصر الذهبي في إسبانيا. هو الكاتب الأكثر تمثيلاً للأسلوب الباروكي الأدبي الإسباني المعروف باسم (Conceptismo Conceptism)، والذي يتميز باستخدام عروض مقتضبة ودقيقة للذكاء المبالغ فيه لتوضيح الأفكار، كما يتميّز بالتعقيد المتزايد في المحسنات البديعية وتركيز المواضيع على القلق من مرور الوقت وفقدان الثقة.

ولد غراسيان في بيلمونتي دي غراسيان، قلعة أيوب في مملكة أراغون في إسبانيا في 8 كانون الثاني عام 1601. وهو ابن طبيب من عائلة نبيلة. نشأ في منزل عمه القس أنطونيو غراسيان، في توليدو، ويبدو أن والديه توفيا عندما كان صغيراً جداً. بعد حصوله على التعليم اليسوعي الذي شمل العلوم الإنسانية والأدبية بالإضافة إلى الفلسفة واللاهوت، دخل إلى النظام اليسوعي في عام 1633 وأصبح مدرسًا في كلية تارغونا اليسوعية.

وتبرز روايته كريتيكون (Criticón)، والتي تقدم صورة رمزية عن حياة الإنسان والتي نشرت في ثلاثة أجزاء في الأعوام 1651 و1653 و1657، من بين أعماله الهامة في الأدب الإسباني. في العام 1651، نشر غراسيان الجزء الأول من (Criticón Faultfinder) دون إذن من رؤسائه من اليسوعيين، الذين عصاهم مراراً. مما أثار استياء رؤسائه ولكنه تجاهل كتاباتهم. ولقد كانت حياة غراسيان، حياة عزلة ومواجهات مستمرة مع زملائه ورُؤسائه، ومع الطبقة الحاكمة بوجه عام. حيث كان يكتب باسم مستعار (لورينثو غراسيان) وبدون إذن من رؤسائه، الأمر الذي جعله مُلاماً بشكل صارم وقاس وحرمه من درجة الأستاذية ومن الكتابة، وقد أُرسل إلى غراوس (Graus) لتنفيذ عقوبة في العام 1658. لكن إعادة الاعتبار له لاحقاً وانتقاله إلى تراثونا لم يخفّفا من مصيبته، فقد قرر هجر رهبانية اليسوعيين (Orden de los Jesuitas) بعد أن أنكرته.‏ توفي في 6 كانون الأول عام 1658 ودُفن في تارازونا قرب سرقسطة في محافظة أراغون.

أعماله السياسية مكونة من أربعة أبحاث وهي “البطل” (1637) (El héroe -The Hero )، “السياسي دون فرناندو الكاثوليكي” (1640)، “المتكلم” (1646)، و”فن الحكمة الدنيوية” (1647).‏ وله عملٌ في علم الجمال والأدب وهو “حدة البصيرة وفن العبقرية” (1642).‏ وله رواية فلسفية وهي “النقَّاد (El Criticon) في ثلاثة أجزاء في الأعوام 1651 و1653 و1657، كما لديه بحث ديني هو “طاولة القربان المقدس” (1655)، بالإضافة إلى كتابات أخرى قصيرة.‏

فن الحكمة الدنيوية

فن الحكمة الدنيوية (The Art of Worldly Wisdom) (L’homme du cour) (بالإسبانية: Oráculo Manual y Arte de Prudencia) هو كتاب من القرن السابع عشر كتبه بالتاسار غراسيان إي موراليس في عام 1647. وهو عبارة عن مجموعة من 300 حكمة، كل واحدة تعلّق على مواضيع مختلفة وتقدّم المشورة والتوجيه بشأن كيفية العيش بشكل كامل والتقدّم اجتماعياً، والسعي ليكون الشخص أفضل. تُرجم الكتاب إلى الhلمانية من قبل شوبنهاور (Schopenhauer)، وترجمه إلى الإنكليزية جوزيف جاكوبس (لندن ونيويورك سيتي وماكميلان وشركاه) (Joseph Jacobs – London and New York City, Macmillan and co.) عام 1892.

يعطي غراسيان في كتابه “فن الحكمة الدنيوية” نصائحاً حول كيفية الازدهار والنجاح في عالم حافل مليء بالمكر والازدواجية والصراعات على السلطة، مع الحفاظ على كرامتك وشرفك واحترامك لذاتك. وبالتالي فإن كتاب “الحكمة الدنيوية” هو كتاب يحكي عن الوفاء بتعاليم السيد المسيح إلى رسله ليصبحوا “ماكرين مثل الحيّات وبريئين مثل الحمائم” (cunning as serpents and innocent as doves). لقد أُعجب كلا الفلسوفين شوبنهاور ونيتشه بغراسيان وببصيرته وبراعته العميقة التي فهم بها النفس البشرية. وفي حين كانت نصائح غراسيان موجّهة إلى الأشخاص الذين يحاولون الحصول على دعم في عالم صراع الذئاب في الحياة الإسبانية في القرن السابع عشر، فإنها تنطبق أيضاً على الفرد في القرن الحادي والعشرين الذي يحاول أن ينجح في اقتصاد عولمي شديد التنافسية، وينمّي شخصية مستقيمة بطولية.

فيما يلي بعض الحكم الواردة في كتاب “فن الحكمة الدنيوية”:

  • الشخصية والفكر هما القطبان لقدرتنا، إذ نمتلك واحداً دون الآخر فإننا في منتصف الطريق إلى السعادة. العقل لا يكفي، فهناك حاجة أيضاً إلى الشخصية.
  • إذا لم تقم بالإعلان عن نفسك على الفور، فسيصبح من السهل توقع أفكارك، خاصة عندما تجعلك أهمية موقفك موضع اهتمام عام. امزج القليل من الغموض مع كل شيء، فالغموض يثير التبجيل. وعندما تشرح، لا تكن صريحًا تمامًا، تمامًا كما لا تعرض أفكارك القاسية في السياق العادي. الصمت الحذر هو قدس الأقداس من الحكمة الدنيوية. القرار المعلن عنه لا يُفكَر فيه أبداً؛ فقط يترك مجالاً للنقد. وإذا حدث ذلك، فأنت بائس بشكل مضاعف. بالإضافة إلى أنك تقلّد السبيل الإلهي عندما تثير إعجاب الرجال.
  • المعرفة والشجاعة هما عنصرا العظمة. فهما يعطيان الخلود، لأنهما خالدتان. قيمة كل شخص بمقدار ما يعرف، وبالحكمة يمكننا إنجاز أي شيء. الرجل بلا علم كالعَالَم بلا نور. والمعرفة بدون شجاعة هي عقيمة.
  • إخلق شعوراً يضعك موضع الاعتماد. الرجل الحكيم يفضّل أن يرى الناس يحتاجونه أكثر من شكرهم له. إبقاؤهم على عتبة الأمل هو شأن دبلوماسي؛ الأمل لديه ذاكرة جيدة، وللامتنان ذاكرة سيئة. وعندما يغيب الاعتماد، فإن التعامل الجيد يغيب معه وكذلك الاحترام. فليكن أحد الدروس الرئيسية في الخبرة، إبقاء الأمل موجوداً ومطلوباً بدون إشباعه تمامًا. ولكن لا تجعل فشل الآخرين ينمو بشكل غير قابل للشفاء لأجل مصلحتك الخاصة.
  • نحن لا نُولَد كاملين، كل يوم نُطوِّر في شخصيتنا وفي دعوتنا حتى نصل إلى أعلى نقطة من وجودنا الكامل، إلى الجولة الكاملة لإنجازاتنا، لتميزنا. وهذ ما يُترجم بنقاء ذوقنا، ووضوح فكرنا، ونضج حكمنا، وحزم إرادتنا.
  • تجنّب الانتصار على رؤسائك. فجميع الانتصارات تولّد الكراهية، والتفوّق على رئيسك هو حماقة قاتلة، إذ دائماً ما يُكرَه التفوق. سيسمحون لك بمساعدتهم ولكن ليس بتجاوزهم، وسيحصلون على أية نصيحة تُقدَّمها لهم، وكأنهم تذكروا شيئًا نسوه، لا شيئاً بغير مقدورهم العثور عليه.
  • تجنب أن تكون عاطفياً، فبذلك تنتصر إرادتك الحرة. وسيطرت العاطفة والشغف على شخصيتك، تعيقك من التطلع إلى المنصب الرفيع.
  • تجنب أخطاء محيطك. يشترك الماء في الصفات الجيدة أو السيئة للطبقات التي يتدفق من خلالها. أنت تحصل على تقدير كبير لكونك فريدًا بين زملائك، وبما أنهم أقل توقعًا منك فاحترامهم سيكون مضاعفاً لك. هناك أيضًا إخفاقات عائلية وأخطاء في الموقع أو المهنة أو العمر. إذا ما التقت جميعها في شخص واحد ولم يحترس منها، فستصنع منه وحشاً لا يُطاق.
  • المعرفة والنوايا الحسنة تضمنان معاً استمرارية النجاح. المعرفة بدون معنى هي حماقة مزدوجة.
  • نوّع في طريقة وأسلوب العمل؛ أي لا تعتمد دائماً نفس الأسلوب، وذلك لصرف الانتباه، وخاصة إذا كان هناك منافس، لأنه سوف يتعرف قريباً على النمط الموحّد في أعمالك، ومن خلال التوقع، سوف يحبط تصاميمك. العدو يراقب باستمرار، والمطلوب مهارة كبيرة للتحايل عليه. اللاعب لا يلعب أبدا الورقة نفسها التي يتوقعها الخصم.
  • القدرات والتطبيق العملي، لا توجد شهرة بارزة بدون كليهما، وحيثما تتوحّدان، تعظم المكانة. العمل هو الثمن المدفوع للسمعة. ما يُكلّف قليلاً يستحق القليل.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.