تواصل مدني العدد 19: الوزير السابق شربل نحاس: السلطة مأزومة وشرعيتها تتآكل

0

تواصل مدني العدد 19 عن شهر نيسان 2017

أجرى المقابلة أديب محفوض

الدكتور شربل نحّاس … المُهندس الذي شغل منصب وزير لمرّتين في حكومتي الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، الوزير الذي أصبحت صفة المُشاكس معهُ مُؤشّرا لدى اللبنانيين عن ذاك الذي، ومن موقعه كوزير، يُحضّر ملفّاته ويُجادل ويُناقش ولا يبصم لأيٍ كان في مواقع السلطة العُليا على أي أمرٍ خارج سُلطة قناعاته، وعندما أُريد له أن يكون، ومن منصبهِ كوزير أيضاً، مُجرّد شاهد عيانٍ، تجرّأ على ما لم يفعلهُ أحدٌ من قبلهِ، استقال… 

فهو صاحب رؤيةٍ عن العمل العام تختلف عن السائد لدى السلطة التي يرفُض تسميتها بالطبقة السياسيّة… 

مع الدكتور والوزير السابق شربل نحّاس كان لمجلّة “تواصل مدني” هذه المُقابلة. 

– الوزير السابق شربل نحاس، شغلت منصب وزير في حكومتي الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي علماً أنك من حيث الفكر والممارسة تعتبر من خارج الطبقة السياسية، بل أنت خصم لها، ما الذي أحرزه الوزير شربل نحاس من هذه التجربة؟ 

ما الذي أحرزه شيء وما الذي يعتبر أنّه تمكن من تحقيقه شيء آخر، ما الذي أحرزه: عُدت إلى التدخين بعد توقف خمس أو ست سنوات، لان هذه التجربة هي تجربة غنية ومضنية وتعلّم الكثير حول الأداء الفعلي الداخلي للعمل في الدولة، لأن الوزير ينشط في ثلاث دوائر: الدائرة الأولى: مجلس الوزراء وهو مكان مركزي لاتخاذ القرارات وعمله ليس علنياً وبالتالي يعرّي من يشارك فيه. والأداء النظري ليس فقط كيفية اتخاذ القرارات وإنما أيضاً يسمح بالتعرف عن كثب إلى هذه المجموعة من الأشخاص على تنوع مساراتهم اللذين يشاركون في مجلس الوزراء وهو مجال غني جداً يظهر بوضوح مواقع السلطة الفعلية. وصورة السلطة الفعلية تختلف اختلافاً شديداً عن المتخيل الذي مازال اللبنانيون في غالبيتهم يعتبرونه واقعاً وبالتالي ينطلقون منه لبناء معجم تعابير منها “طبقة سياسية” وما إلى ذلك.

في واقع الحال الوزراء في غالبيتهم، والنواب أكثر وأكثر، بعيدون عن المشاركة الفعلية، والقرارات الفعلية تؤخذ في أطر ضيقة جداً من بضعة أشخاص هم الذين فعلياً يقومون بالعمل ويحضّرون الملفات ويوزعون الأدوار ويوزعون الكلام ويصيغون النتائج بينما العدد الأكبر من الوجوه المسماة سياسية والذين يطلّون على الإعلام… الخ. ومشاركتهم أقرب إلى الشكليات. هذه الحلقة الأولى.

الحلقة الثانية هي الإدارة. فالوزير، ما عدا ما يسمى وزير دولة وهو اختراع وبدعة من البدع، الوزير يتعامل مع الإدارة ولا يستقيم العمل العام دون هاتين الركيزتين: العمل السياسي والعمل الإداري، والإدارة في لبنان مشوّهة إلى حد بعيد لأن مؤسسات عديدة قائمة بفعل الأمر الواقع ولا سند قانونياً ليس فقط لأدائها إنما أيضاً لوجودها. وضمن الإدارة يكثر الذين يقومون بأدوار خارج الإطار الشكلي الأساسي للإدارة من متعاقدين ومياومين ومستشارين وغير هذه الحالات الشاذة. واللافت عندما يكون التعامل لصيقاً مع الإدارة، أولاً هزال الإدارة العددي، يعني الإداريون الفعليون النظاميون قليلون جداً في الدولة اليوم وبالكاد يتعدون السبعة آلاف.

في وزارة الاتصالات، الموظفون الإداريون فقط بالعشرات وهم قيد الانقراض، وصلنا إلى مكان بالكاد نجد موظفاً له حق التوقيع في حين يكثر عدد المنتمين إلى حالات “عجيبة غريبة”.  والإدارة – لا اريد أن أغالي – وإنما المحافظة على الإدارة أمر حيوي، والإدارة رغم تراجع مواقعها المعنوية والمادية وإغراقها في الحالات الشاذة (والتوظيف وشبه التوظيف) والإدارة هي عضد الدولة، وتتضمن- وتعيش في غالبية الحالات بأسىً وترهل الدولة وهي سند لا يجوز التغاضي عنه أبداً لأي مشروع عام. الإدارة مازالت تحفظ، جدياً، الشعور بالمسؤولية وفي وزارة العمل أيضاً الأمر كذلك والقول بأن الإدارة فاسدة ومرتهنة فيه الكثير من التجني.

والحلقة الثالثة: هي الساحة العامة، فالوزير بحكم عمله يتعامل من خلال الإعلام مع الناس، يتعامل مع أصحاب المصالح الذين يأتون لغايات مختلفة، يتعامل مع الخارج، حكماً إن كان بمنظمات دولية أو مؤسسات أجنبية أو سفارات وهذا المجال الثالث دقيق جداً ويشعر الشخص أنه أسير أدوار محضّرة سلفاً فيتحدد عليه واجب التعامل معها إما بالقبول بها والانخراط فيها أو بالتصادم معها والتمايز عنها؛ يعني مثلاً أمر عادي جداً عندما يحصل خلاف سياسي بين وزير معين وسائر أفراد الحكومة أن يستقيل، في باقي دول العالم هذا أمر عادي، أصلاً هذه هي الوسيلة السياسية التي من خلالها يعبّر فيها الوزير عن اختلافه. في لبنان أن يستقيل وزير أمر استثنائي وغير مألوف ويعتبر “عجيبة”. هذه المفارقة بالغة الدلالة بذاتها لأنها تنم عن كيفية نظر المواطنين إلى الدولة، وهي نظرة مشوّشةً ومعتلّة لأن اعتبار الاستقالة حدث استثنائي يعني قبولاً بأن تولي مسؤولية عامة هو مكسب لا يجوز التخلي عنه؛ هو إقرار بهذا الشيء وهذا إقرار مؤلملأن داخل النظام وخارج النظام بالنسبة لي لا يعني شيئاً، لأن النظام إن لم يكن قائماً يعني المجتمع لم يعد مُتماسكاً، حتى المفردات وحتى اللغة تتضمن نظاماً.  توقفنا عند كلمة “طبقة سياسية”، هذه العبارة، تكرس مقاربة ومفهوماً معيّنين للمجتمع وبالتالي عندما تكون رائجة الاستعمال هذا يعني أن الغالبية العظمى من الناس ترى وضعها وفق هذا المفهوم، وبالتالي عندما تدخل في تعامل سلطوي- طبعاً مجلس الوزراء في تعامل سلطوي طبيعي مثل أي شيء مثل شركة- أنت تتعامل على اساس مقاربات مختلفة، يعني كل واحد لا يرى نفسه في الموقع ذاته الذي يرى نفسه فيه زميله الآخر، يعني بالنسبة لأناس كثيرين الموقع العام في الإدارة أو في الوزارة هو وظيفة يؤديها لدى زعيم، وبالنسبة لآخرين هذه مرتبة من الوجاهة تثلج قلبه بالنسبة إلى أقاربه في الضيعة. وهذه الاعتبارات، ما الذي يحرّك هؤلاء، تطرح على نفسك السؤال دائماً، ما الذي يحركهم ما دافع حركتهم؟ وبالتالي عندما تدخل على أي حلبة سلطة، وأعود وأذكر في الجامعة هناك سلطة، علاقة الأستاذ بالطلاب هناك سلطة، كلها علاقات سلطة، أنت تأتي مزوداً بما راكمت من تجاربك وما تعلمته من العقد التي راكمتها… الخ. وتمتحنها في الساحة، تمتحن الجميع، تمتحن من يقولون إنهم معك ومن هم ضدك وتكتشف أن الذي ضدك ليس بالضرورة ضدك ومن معك ليس بالضرورة معك لأن منظومته الفكرية هي التي يقاربون فيها الأمور، ليست بالضرورة متطابقة مع المنظومة الفكرية التي أنت تقارب فيها الامور.

– إن لم تسمّها طبقة سياسية فماذا تسمي الأشخاص الذين يستلمون زمام الأمور في البلد؟

لا أحد يستلم زمام الأمور إن لم يكن هناك ارتضاء. لا اقول إجماعاً بل شبه إجماع بأن يتولى هذه المهمة.

– كيف يمكن توصيف الوضع السياسي والاقتصادي؟ بأي محل نحن على المستوى السياسي والاقتصادي؟

على المستوى الاقتصادي نحن منذ الحرب وما تبعها دخلنا في منظومة اقتصادية- اجتماعية قائمة على استجلاب الأموال من الخارج وتعزيز الاستهلاك وتمويل العجز الخارجي وضخ هذه الاموال في قنوات مقابل تكوين ولاءات للزعامات الموجودة. هذا النظام بات متعثراً اليوم، أولاً بسبب تراكم مفاعيله بما يسمى الدين، ثانياً بسبب انخفاض أسعار النفط ودخول المنطقة في حروب وشح الموارد، وبالتالي وإضافةً إلى ذلك عبء النزوح السوري وبالتالي أصبح هذا النمط مُتعثراً لما ألقي عليه من تراكمات. بقي الأمر مغلفاً بفترة لأن الأطراف عندنا كانت تراهن على انتصار فريق إقليمي على آخر. الآن هم يأسوا، أظن أن الأمور ذاهبة إلى تسويات لا إمكانية لأي طرف ليس فقط لبناني بل إقليمي يمكن أن يؤثر فيها وبالتالي أصبحوا في تخبطٍ شديد.

– على المستوى الداخلي هل يرى الدكتور شربل نحّاس أننا ذاهبون إلى تسويات أم إلى أزمات أكبر؟

هم يسعون بكل جهد واجتهاد إلا أن هذه التسويات صعبة، وأقول ذلك لسببين: لأن الموارد شحت والحاجات زادت. الرغبة في عقد تسوية قائمة دون شك، هم يجتهدون قدر المستطاع. لا يجوز أن ننكر جهدهم. 

– هل تتوقّع ان تصل السلطة الى حل في مسألة قانون الانتخاب؟  

أكيد سوف يصلون إلى حل، أصلاً الموضوع لم يبحثوا فيه من قبل، هم باشروا البحث فيه في الفترة الأخيرة.

– هل كان لدى الحكومات اللبنانية المتعاقبة في يوم من الأيام سياسة اقتصادية ومالية واضحة؟  

طبعاً، قبل الحريري وبعد ودائماً، الممارسات التي تجري ليست مجموعة من العجائب والصدف، الناس يشكون من أمور كثيرة وفي الغالب لا يبذلون الجهد اللازم ليربطوا هذه النتائج بأسبابها وكأنها حصلت بالصدفة، قليل من الأمور يحصل بالصدفة، غالبية الأمور لا تحصل بالصدفة. تحصل لأنها تنسجم مع توجه عام. هناك توجهات عامة طاغية منذ فترةٍ طويلة. لذلك لدينا مشكلة مع المواقف الاعتراضية كأنهم اكتشفوا البارود. أساساً من في مواقع الإدارة يعلمون أن هناك مشكلة نفايات، فلا داعي لأن تخبرهم. هم مُقيّدون بقراراتهم، ليس عن أذىً، هم ليسوا شرانيين أو شرّيرين، هم لا يستطيعوا غير هكذا لأنهم مقيّدون بمئة “شغلة”، هم مقيّدون بالتوجه العام وبالتوازنات.

– موازنة العام 2017 هل يُمكن أن تصدر بدون تسوية مشكلة قطع الحساب للسنوات المُنصرِمة؟ 

كل شيء ممكن، ولكن هذا الأمر غير دستوري. إصدارها يعني إصابة إضافية لشرعية السلطة، الدستور ضُرِبَ من زمان. اليوم هم بحاجة لاكتساب شرعية. عندما يكونوا ملبكين يعني هم يفقدون شرعيتهم. المواجهة السياسية ماذا تفعل، تفقد الخصم شرعيته. فقدان الشرعية ليست قصة بسيطة. هم بحاجة إلى الشرعية. أنت تتعامل مع أناس أذكياء هم ليسوا غافلين، هم مدركون بشكل واضح أزمتهم لناحية تآكل شرعيتهم. وشرعيتهم تتآكل للأسباب التي سبق وذكرناها، إن الموارد المتاحة لهم على تضاؤل بينما الحاجات على تزايد. الشرعية ليست منفصلة عن الوظيفة التي تبنى الشرعية على أدائها. عندما أداء الشرعية يتراجع تتراجع الشرعية.

ليس هناك مجلس نواب في لبنان، هناك ائتلاف من سبع أو ثمانية زعماء حريصون على عدم الذهاب إلى العنف وهم مقيدون بأداء الدور التوزيعي لجماعتهم لأنهم إن أخلّوا بهذا الدور يفقدون وظيفتهم وبالتالي موقعهم، وهؤلاء مأزومون للأسباب التي قلناها. هؤلاء يقومون بما يُمكن أن يحفظ شرعيّتهم لاسيما تجاه الخارج، يحاولون الاحتفاظ ببعض الاعتبارات الشكلية من نوع مجلس النواب فيجمعون حولهم خليطا من الأزلام والممولين ومشاريع الوجهاء فيأتون بهم. إنما عندما يصبح الأمر يمس بقاء موقعهم يضحون بهؤلاء دون أية مشكلة. 

ألهذه الاسباب أصبح الإبراء المستحيل ممكناً؟

طبعاً طبعاً هذا اختلاف بالتوجه. قضية الإبراء المستحيل أثارت هذه المواجهة على هذا الخط، المواجهة لها خطوط مختلفة، اختيار ساحات المواجهة هو في صلب العمل السياسي. طرح هذه المسألة في وقت معين في 2010 أعتقد كان له غاية سياسية محددة على اعتبار أن تلك الحكومة كانت أولى الحكومات التي تُدخل فيها لاعبون جدد على الإطار الشكلي للدولة يعني مجلس الوزراء. ولا يجب أن ننسى أن سعد الحريري كان يدخل لأول مرة للممارسة الفعلية شخصياً ومعه عدد من الوزراء الجدد لاسيّما وزيرة المال. من ناحية تيار الإصلاح والتغيير كانت ايضاً المشاركة الثانية، ولكن المشاركة التي سبقتها كانت فقط للتحضير للانتخابات بعد الدوحة وكانت أيضا مشاركة جديدة. مشاركة القوات اللبنانية كانت لأول مرة. يعني تلك الحكومة كانت تضم عدداً كبيراً من الداخلين أو الطارئين على السلطة الواقعية. وبالتالي كان المسعى من قبلي أن ندفع بهؤلاء الطارئين ليس إلى الانخراط في الآليات نفسها وبالتالي إلى بحث في تعديل الحصص لكي يأخذوا جزءاً من الكعكة التي كانوا محرومين منها، إنما أن يقطعوا مع المرحلة السابقة، هذا كان الهدف. هذا الأمر انتظم بعد أن سرنا به إلى حدٍ اصطدم بمفصل معين، بمعارضة أولى من قبل سعد الحريري. فالناس تنسى أن مجلس الوزراء أقر نظام الانتخابات النسبية والكوتا النسائية كما في الانتخابات البلدية في البلدات الكبرى. خرج مشروع القانون من مجلس الوزراء فتعطل في مجلس النواب من قبل الأطراف السياسيين أنفسهم، وتحدٍ من هذه المجموعات من الأصليين وليس الطارئين، انتبَهوا إلى المخاطر وأوقفوا المسار ثم حصل اختلاف جوهري أيضاً مع تكتل التغيير والإصلاح عند مفصلٍ لاحق بعد بضعةِ أشهرٍ على مسألة أساسية وهي مسألة تعديل موقع التجّار وتعديل النظام الضريبي فحصل الافتراق. هذه كانت العناوين الأساسية للمسار. بأسمائهم. هناك السلطة الشكلية، مواقع السلطة الفعلية أو مواقع الفصل. 

– كيف تقرأ الهندسة المالية التي أجراها حاكم مصرف لبنان؟ 

ما سُمِّيَ هندسات مالية خدم غايتين. الغاية الأولى: تغطية خسائر كبيرة تكبدتها بعض المصارف، والغاية الثانية: رشوة المصارف لاستجلاب أموال إضافية من الخارج في وقت شح هذا الدفق للأسباب التي سبق الإشارة إليها. هذه الاعمال لا تنسجم مع الأداء الطبيعي لمصرف مركزي، أقله بالحجم وبالشروط التي نفذت من خلالها، لأن تغطية خسائر المصارف لا يجوز أن تحصل، وإن حصلت، يجب أن تتواكب مع تحميل اصحاب ومديري هذه المصارف تبعات خساراتها، أي يتم مثلاً خفض رأسمالهم وتدخل هذه المساعدات كإضافة في رأس المال لصالح البنك المركزي لكي يستطيع لاحقاً أن يربح من بيعها أو يتدخل مقابل تنازلهم عن ممتلكات لهم، فلا تكون هبات، والخسائر لا تُغطّى بهبات.

فيما خص استجلاب الأموال هنا ايضاً الكم الهائل من الضخ الذي حصل أدّى إلى تحويل خمسة أو ستة مليارات دولار من الأرباح الصافية، وهذا غير تغطية الخسائر. وكان الجواب الذي نعرفه أنه ماذا تريدون أن نفعل؟! وما لا يقال هو أننا في ظل غياب دولة لا تتحمّل مسؤولية إدارة ماليتها. وأصبحنا في هذا الوضع بين عجزٍ وفشلٍ كاملٍ للسلطات العامة تجاه الجهاز المصرفي الذي هو في التركيبة الاقتصادية -الاجتماعية في لبنان عصب استمراره.

والسؤال البسيط: أين كانت الحكومة في هذا الوقت؟ نتكلم عن أرقام هائلة في المطلق فكيف قياساً على الاقتصاد اللبناني. هذا الأمر تابعناه ومعظم الناس عرفوه مُنذ عدة أشهر من خلال الإعلام. وأين كانت الحكومة وأين كان رئيس الحكومة ووزير المالية.

– حكومة لـ 11 ملياردولار؟

لا لا، هذه في ما بعد… أثناء حصول هذا الأمر، مَن تشاورَ مع حاكم مصرف لبنان لمعالجة هذه المسألة في حينها؟ اليوم نحن نتعامل مع هذه المسألة وكأنه من الطبيعي أن تكون الحكومة في مواجهة حدث بهذا الحجم معفية من أية مسؤولية. أين كان تمام سلام؟ ما الذي كان يفعله؟ لم يكن هناك رئيس جمهورية ولكن ما الذي كنتم تفعلونه أنتم ؟!

– هل هذا يعني ان السياسة المالية والنقدية أصبحت بالمُطلق بيد حاكم مصرف لبنان؟ 

الفشل وفقدان الشرعية، الفشل وصل إلى مكان أن الناس لا يحاسبون اليوم من كانوا في موقع المسؤولية الشكلية، هذا يعني رئيس الحكومة ووزارة المالية ومجمل الوزارات ليس لهم علاقة! يعني تركوا وزراء اليوم يخرجون إلى الإعلام ويتحدّثون عن الهندسة المالية وكأنها أمر حصل في بلدٍ في أقاصي الدنيا. ما الذي كنتم تفعلونه، ليس اليوم، بوقتها؟ 

–  ما الذي يمنع إقرار سلسلة الرتب والرواتب؟

الضيق المالي. 

– الضيق المالي من وجهة نظر السلطة؟ أي هل هذه حجة يتخذونها من هم في السلطة أم أنّه فعلاً يوجد ضيق مالي، باعتبار أن مصادر التمويل تأمّنت؟

لا يوجد شيءاسمه مصادر تمويل. كيف رضي اللبنانييون من موظفين وأجراء ومن عامة الناس وكيف يرضون بكل ما يعيشونه؟ كيف يرضون بالاتحاد العمالي العام الذي يرونه أمامهم؟ كيف يرضون بعدم وجود أبسط الخدمات؟ عندما يكون الناس راضين، لا عجب أن يتمادى من في موقع الإدارة في تصرفه، فكيف إذا كان مأزوماً في الواقع؟ الناس راضون، أين هم الناس؟ يحتجون ويعودون إلى المنزل.

– حركة مواطنون ومواطنات في دولة، هل ستخوض الانتخابات النيابية كما خاضت الانتخابات البلدية بغض النظر عن شكل او مضمون القانون؟

حركة مواطنون ومواطنات تخوض اليوم في الأساس معركة إثبات السند المدني لشرعية الدولة في لبنان، وهو أهم من الانتخابات. 

– كيف تقرأ ما حدث في نقابة المهندسين في الانتخابات الاخيرة؟  فوز النقيب ثابت، البعض يعتبره ربح وفوز حقيقي وصفعة للسلطة، وآخرون يرون أنّ هذا الفوز جاء نتيجةً لخلافات الفريق الآخر. 

أمرٌ مشروعٌ أن يستفيد المعارض من إرباك خصمه، وهذا يحصل على كل المستويات، من أصغر الأمور إلى أكبرها. ليس هو هذا الحدث، الحدث هو أمران: أولا، أن هذه المواجهة كانت دون خجل ومواجهة سياسية في الأساس كي تكون للنتيجة معنى وإلا كنا ذهبنا إلى ساحات لا طائلة من أي مكسب فيها. ثانياً، هذه المواجهة تخطت العقبات التي اعترت المواجهات السابقة. إذاً، هناك نتاجان أساسيان هما الطابع السياسي الواضح للمواجهة والنجاح في تلافي الشرذمة التي شهدناها للأسف في المواجهات السابقة. وعلى هذا الأساس هذا حدثُ مهمُ جداً.

– إلى أي حد تشعر أن الحراك المدني بمحطاته جميعاً يمكن البناء عليه لتحقيق تغير حقيقي؟ 

لا أعلم ماذا تعني عبارة “مدني”. 

– نحن نأخذ بالمصطلحات المتداولة.

أنا ارفضها. ما معنى مدني؟ ما هي السياسة؟ إن لم تكن السياسة إدارة كتل المصالح وموازين القوى وفق مشاريع مجتمعية مختلفة فلا معنى لها.

كلمة مجتمع مدني لا تغير شيئاً بذاتها. فإن كان مقصوداً بها مدني مقابل عسكري فهمنا، وإذا كان مقصوداً بها مدني مقابل ديني أو طائفي لها معنى. ولكن مدني بالمطلق ماذا تعني؟

المواجهة سياسية وعنوانها في هذه المرحلة: إعادة إرساء شرعية الدولة. وهناك مشاريع متقابلة على هذا الصعيد. بين محاولات لتنظيم ائتلاف بين كتل طائفية، وهذا مشروعٌ طائفي، وهناك مشروع مقابل هو إقامة دولة مدنية لا تستند في شرعيتها إلى ائتلاف الكتل الطائفية. هذا هو محور البحث اليوم وهذا البحث هو بحث سياسي والقول إنه غير سياسي هو إما سذاجة مفرطة وإما خبث وتلاعب بالشعارات.

نحن في هذا السياق بكل وضوح هدفنا التأثير في مسار هذا الخيار السياسي.

لا ضير في أن يتحرك الناس ليحتجوا في مقابل تصرف معين أو مطالبة بشيء معين. إنما هذا الأمر إن بقي محصوراً في إطاره لا يُؤدي إلى أي نتيجة، وقد شهدنا ذلك بكل وضوح في تحركات بصدد عملية سرقة الأموال العامة نتيجة النفايات وكانت تجربة مأساوية.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.