الطبقية – مقالة – نغم الحسين

0

تعدّدت الصراعات على مرّ العصور واختلفت بين مجتمع وآخر، لكن ثمة صراع مشترك بين كافة المجتمعات، صراع لا يمكن تجاهله ولا حتى إلغاءه، إنه صراع الطبقات!

أكّد “كارل ماركس” و “فريدريك انجلز” على الانتشار العالمي لهذا المفهوم، حيث سعت الفلسفة السياسية الماركسية لمراعاة القضايا التاريخية والتوترات داخل مجتمع واحد منقسم إلى طبقات اجتماعية معادية.

ترى الماركسية أن الطبقة المستغلَّة (البروليتاريا) ستتحرر من خلال إسقاط حكم الطبقة المستغِلّة (البورجوازية) لتحقيق المساواة (مجتمع لا طبقي).

كما أشار “كارل ماركس” إلى أن مفهوم الطبقية يحدد عن طريق علاقة الفرد مع وسائل الإنتاج (علاقتهم الإنتاجية)، وبالتالي فإن البروليتاريا هم أولئك الذين لا يملكون وسائل الإنتاج بل يبيعون قواهم وجهودهم للطبقة البورجوازية بهدف البقاء وتحقيق الاستمرارية.

أما البورجوازية فتتألف من أولئك الرأسماليين الذين يمتلكون وسائل الإنتاج. وهي الطبقة الحاكمة ويتم موازنتها على سعر شراء القوى العاملة.

لـ”ماكس فيبر” رأي مغاير، بحيث ارتكزت نظريته على العناصر الثلاث للتقسيم الطبقي التي رأت أن الطبقة الاجتماعية ناشئة من التفاعل بين “المركز”، “الطبقة” و”السلطة”.

ورأى “ماكس فيبر” كما “كارل ماركس” بأن مكانة الطبقة تحددها علاقة الفرد بوسائل الإنتاج. لكن خلافاً للنظرية الماركسية فإنه قد أشار إلى كون الطبقة تستند على أكثر من ملكية رأس المال، بحيث أن بعض أعضاء الطبقة الأرستقراطية يفتقرون إلى الثروة الاقتصادية لكن مع ذلك يمتلكون السلطة!

إن مشكلة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي في لبنان لا تزال قضية غائبة رسمياً عن حسابات أصحاب القرار إذ لا تكاد تدخل ضمن السياسات المالية التي تتبناها الدولة، علماً بأن هذا التفاوت هو صنيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدتها السلطات اللبنانية المتعاقبة، حيث أدّت هذه السياسات إلى تركيز الثروة لدى فئة قليلة من اللبنانيين وإلغاء الطبقة الوسطى. في المقابل يشجع الزعماء من مختلف المجموعات على السلوكيات الفئوية والانقسامات ويغذون هذا التفاوت الاجتماعي بين المواطنين ليحافظوا على موقع السيطرة.

ففي لبنان تلبس هذه الصراعات مظاهر متعددة فنجد طبقات فرعية سمحت لنفسها بأن تكون فئة أو طبقة منفصلة عما تبقى من طبقات في المجتمع، فالقضاة في بلادي الذين يجب ألا يحكموا إلا بالعدل، وأن يكون شعارهم الأوحد المساواة، رفضوا إقرار سلسلة الرتب والرواتب في الآونة الأخيرة كي لا تصل قيمة رواتب موظفين من قطاع آخر لقيمة شبه مساوية لرواتبهم وبالتالي يصبحون سواسية من الناحية الاقتصادية، وبالتالي اعتبار الأمر وكأنه يمس بكرامتهم ومكانتهم!!

أيضاً في لبنان التفاوت يتفشّى في كافة جوانب الحياة، فالموت في لبنان كما الحياة فيه، التكاليف المرتفعة لإتمام مراسم دفن الموتى تضع الطبقة الفقيرة بموقف محرج، فطقوس الموت مفروضة وكذلك لوازمه، إذ تبلغ الكلفة الأدنى لإحياء هذه المناسبة الحزينة ما لا يقل عن ألفي دولار أميركي، الفقراء ممنوع عليهم حتى الموت! لا الحياة تفتح ذراعيها للفقير ولا الموت يريحه من شقائه.  بينما يتفنن الأثرياء بالموت، إذ يزخرفون القبور ويستوردون النعوش وينفقون آلاف الدولارات لضمان صورتهم أمام الأحياء قبل الأموات.

والأمر عينه يتكرّر في الشق المتعلق بالمناسبات المصبوغة بالفرح، ففي حفلات الزفاف أيضاً تتفاوت التكاليف بشكل واسع جداً ما بين الفقير والثري، والأسوأ أن هذا التفاوت الطبقي قد حال إلى تفرقة العديد من العشاق بحجة الفارق بالمستوى الاقتصادي، إنه “البريستيج”!

وللفروقات وجوه عديدة إن كان على مستوى الطبابة، أو التعليم، أو حتى على مستوى تقديمات الدولة بين موظف وآخر من ناحية البنزين، بدلات النقل، بدلات التعليم، بدل عاملة منزل، بدل هاتف … وليكاد لبنان البلد الأوحد في العالم الذي يتقاضى نائبه راتب مدى الحياة ومما لا ريب فيه أنه يؤول إلى الورثة!

لكن في النهاية وإن لم يكن من السهل إلغاء هذا التفاوت، فوجود التفاوت الطبقي في أي مجتمع يكون أحد العوامل التي تحقق التكامل في المجتمع وشغل جميع الوظائف والأعمال، فإذا كان جميع الأفراد من الطبقة البورجوازية من سيشغل الوظائف الحرفية واليدوية والوظائف البسيطة. وإذا كان جميع الأفراد من الطبقة الفقيرة فلن يكون هنالك من يتولّى قيادة أمور الدولة وتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد.

لكن علينا دائماً السعي إلى تحقيق الحل الأفضل لتقليص فجوة التفاوت الطبقي وحصد العدالة وذلك من خلال العمل على الحد من حجم هذا التفاوت ومن آثاره، إضافة الى ضرورة تقليص حجم الطبقة الفقيرة وتعزيز الطبقة الوسطى.

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.