افتتاحية العدد 21 من مجلة تواصل مدني: الاصطفاف الإقليمي وانعكاساته على الساحة المحلية

0

إذا كانت السيادة وفقاً لمعظم التعريفات المُتداولة في العالم مفهومٌ يرتبط ببناء سلطة مُستمدة من قرار الشعب لا من أية قرارات أخرى خارجة عن إرادته.

وإذا كان الاستقلال مفهوم ترجمتُه “تحرّرُ شعبٍ ما من نيرِ احتلالٍ عسكري أو سطوةٍ أو هيمنة تختزل قراره”.

فإنّ حال لبنان سيء على مدى تاريخه، في معاناته الأمرّين، من احتلال وسطوة وهيمنة لا زالت تلاحقه بأشكال مُتنوعة.

ولا شك أنّ أسباباً عديدة تلعب دوراً محورياً في انتقاص هذه السيادة أو الاستقلال.

يطرح تيار المجتمع المدني في أحد مبادئه إشكالية السيادة، إذ يعتبر أنّ أحدى منطلقات تكوين المواطن الحر وبناء مجتمع الإنسان يكمن في “بناء  لبنان الوطن المستقل السيّد، الذي يعيش فيه المواطن بالتفاعل والحوار بحرية تامة، ويتمتع بحقوقه كاملة، ويؤدي واجباته”. ويعتبر أنّ “لا سيادة ولا حرية في ظل النظام الطائفي والمذهبي والعشائري”.

ربما يتساءل القارئ عن ماهية علاقة النظام الطائفي والعشائري بما يشهده اليوم لبنان من أزمة سيادة أضحت واضحة المعالم بشكل كبير، تتنافس في خضمّها دول إقليمية وأجنبيّة للهيمنة على قرار لبنان مع أو ضد هذا المحور أو ذاك. وتكثر التحليلات حول أسباب هذا التجاذب، فالبعض يُؤكد أنّ السبب موقع لبنان في شرق أوسط مُلتهب، والبعض الآخر يعيده إلى وجود العدو الاسرائيلي واستمرار احتلاله لجزء من أراضي لبنان، وآخرون يربطون السبب بسلاح حزب الله، وأكثر من يصيب برأينا يربط السبب بتبعية زعاماتنا لقوى ودول إقليمية وأجنبية.

وإذا ما أيّدنا بالرأي السبب الأخير كسببٍ محوري دائم استمرّ ولو بوتيرة مُتفاوتة عبر تاريخ لبنان، فإنّ مردّ هذه التبعيّة كانت دوماً ولا تزال مُتعلقة بمفهوم “حماية الطائفة” من قبل دولة “حامية” تتبنى زعيماً طائفياً أو تدعمه، فيختلط مفهوم الحماية هنا بمفهوم التبعيّة، وما يبقى ثابتاً هو أنّ تطييف العلاقة هو الشرط الأساسي لدى الزعيم الطائفي لبقائِه – بنظر جماهيره – حامياً لطائفته من “غزوات” محتملة من الطوائف الأخرى.

أجّجت الحرب الأهلية في لبنان هذا التصوّر، وجعلت من الزعماء مصدر أمان لأبناء الطوائف، كما ربطت الحرب هذه الزعامات بتبعيتها الاقليمية أو الأجنبيّة، فزاد النفوذ الغريب على لبنان وتكاثرت الدول التي صبَت إلى التحكم بقراره، وبالمقابل تضاعَفَ تحكّم الزعامات بجماهيرها وارتباط هؤلاء عاطفياً بها وأيضاً مادياً (بنتيجة تدفق مساعدات الدولة الحامية إلى الزعيم).

الحاجة مستمرة في لبنان لقوىً لا طائفية وعلمانية تشدّد رفضها التبعيّة للخارج، وتعمل على بناء المواطن الفاعل وتأمين أدنى حقوقه المدنية والاجتماعيّة، في سبيل تعزيز انتمائه لمواطنيته على حساب انتمائه للزعامة وبالتالي على حساب رضاه وتبريره لتبعيّة قوة خارجيّة لزعامته، والتي يظن خطأً أنها حماية لطائفته ولوجوده في بلده.

إنّ أُسُس تنظيم الحالة المدنية اللاطائفية والعلمانية مُتوفرة، يبقى واجب العمل الجدّي لبناء تيار مدني مستقل علماني فاعل يعمل على مساحة الوطن.

باسل عبدالله

Share.

About Author

باسل عبدالله - مسؤول تحرير مجلة تواصل مدني

Comments are closed.