مقابلة مع المطران غريغوار حداد عن الثورات العربية والمجتمع المدني في لبنان
أجرت المقابلة رانيا حمزة
منذ اكثر من نصف قرن شكل المطران غريغوار حداد، ظاهرةً فريدة نمت من داخل المجتمع اللبناني الذي يتغذى على مرض عضال ألا وهو الطائفية، وإذ به يخرق كل القواعد المورثة وينطلق بمبادئ متحررة تدعو الى قيام مجتمع مدني يؤْمن بالمساواة والعدالة بين جميع أبنائه، ويشكل الصرخة بوجه كل من جعل البلد مشاع له لتحقيق مصالحه وتعميق نفوذه.
وعلى الرغم من مرور عقود من النضال، الإ أن قلب المطران حداد مازال ينبض بالأمل، ومازال مصراً على ان الشباب عنصر هام وفعال يعول عليه في بناء الوطن. واليوم في خضم ما يشهده العالم العربي من أزمات وحروب مازال يؤمن بأن الحلّ يكمن في المجتمع المدني الناشط والفعال الذي يسعى الى التغيير نحو الأفضل.
المطران غريغوار حداد في غرفته في بيت السيدة
كان لنشرة “تواصل مدني” لقاء مع المطران غريغوار حداد هذا نصه:
◙ هل بالإمكان اعتبار ان ما يحدث في الدول العربية من إحتجاجات وتحركات هو ثورة شعوب تحاول تغيير بلادها؟ إن ما يحدث في الدول العربية هو جنون، كل ثورة تحمل في طياتها عناصر سلبية وأخرى إيجابية، أنا لا يمكنني تقييم ما يجري في تلك البلدان لأنني لم أزرها وبالتالي لم أجر دراسة لأوضاعها في ظل ما تشهده من تحركات.
◙ برأيك ما الذي يدفع بالشعوب الى هذه التحركات، هل هو الطموح والسعي نحو الحرية أم هي الأوضاع الإقتصادية أم ماذا؟ أكيد، إن الاوضاع الإقتصادية تؤثر في تحركات الشعوب والثورات التي تحدث في العالم العربي، إذ يعاني الناس في المجتمعات العربية العديد من الازمات التي يعجزون عن إيجاد الحلول المناسبة لها، وهم من خلال الثورات التي يلجأون إليها يحاولون العثور على مخرج لكل ما يعانونه، ولكن كما هو متعارف عليه فإن كل ثورة تضم السلبيات والإيجابيات. لكن الذي يحدث في البلدان العربية حالياً، والأزمة التي تمر بها البلدان العربية، السلبيات فيها تطغى على الإيجابيات مما ينعكس سلباً على الآمال المرجوة منها. من هنا ضرورة البحث تفعيل عمل المجتمع المدني وإحقاق المساواة داخل هذه المجتمعات بين جميع الأفراد وعندها يصبح هناك إمكانية لإعادة بناء دولة حقيقة على أيدي أفراد متساوين مع بعضهم البعض.
◙ ما رأيك بالذي يحصل اليوم في سوريا وما تشهده من أحداث أليمة ؟ قام النظام بالعديد من المشاريع التطويرية في سنوات السابقة، ولكن ما جرى مؤخراً من أحداث، ومواجهته بإستخدام القوة والعنف ضد الشعب وسقوط آلآف الضحايا والقتلى هو أمر غير مقبول، مما يطرح عدة علامات إستفهام بشأن مستقبل سوريا، خاصة في ظل التدخلات الخارجية فيها. القصة في الدول العربية بدأت على نحوٍ عفوي ولكنها لم تعد عفوية.
◙برأيك في ظل ما يحدث في الدول الى أي درجة تجد أن المواطن أو الشباب بحاجة للإنتماء والمشاركة في المجتمع المدني؟ إن المرض بحاجة لدواء من أجل الشفاء منه، وكذلك هي الطائفية التي لا دواء لها سوى العلمانية وقيام الدولة المدنية، فكلمة علمانية قد ترعب البعض وتدب الخوف في قلوبهم لأنها قد تصنف ضمن خانة الإلحاد مع أن هذا الأمر غير صحيح إطلاقاً، وهذا ما سبق لي أن شرحته في كتاب “العلمانية الشاملة” الذي يتبناه تيار المجتمع المدني.
◙ ما هي الكلمة أو النصيحة التي تود توجيهها الى الشعوب العربية اليوم وفي ظل ما يجري؟عليهم أن يلجأوا الى القرآن الكريم،{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم }، فالله أكبر من الحسابات الضيقة التي لا ترى أبعد من مصالح الزعماء ونواياهم التي لا تخطط للمستقبل لأنه يتم اللعب به من قبل الدول التي لدى كل واحدة منها مصالح خاصة تسعى الى تحقيقها.
◙ لكن بإسم “الله وأكبر” وضع الإخوان المسلمون الدستور الجديد في مصر وضربوا بعرض الحائط المجتمع المدني وبالنتيجة نزل الشعب مجدداً الى الشارع ليتظاهر؟ هنالك مواجهة حقيقية في الشارع، وطبعاً أجد أن النزول الى الشارع للتظاهر أفضل من السكوت والقبول بالامر الواقع- لكن بالوسائل اللاعنفية.
◙ لنعود قليلاً الى الوراء ونسألك، لماذا أسست تيار المجتمع المدني؟ يجب تشكيل حالة إصلاحية للمجتمع الطائفي، ونأمل أن يلعب تيار المجتمع المدني دور الجامع للقوى المدنية والجامع للمشاريع الإصلاحية اللاطائفية ويكون بمثابة الجواب على جميع المساوئ التي يقوم عليها المجتمع الطائفي.
◙ هل تعتقد ان المجتمع المدني مستمر، وانه مازال هناك من يريد أن يعمل وينخرط في أنشطته؟ نعم، واكثر من ذي قبل، لكن ما ينقص المجتمع المدني هو التنسيق الكامل والمستمر بين كافة أطيافه، والتواصل الدائم بين الجمعيات والتشبيك فيما بينها حتى الوصول الى عمل مشترك وتتمكن من إحداث التغيير الإيجابي في لبنان.
◙ كثير من الشباب ينتسب الى الاحزاب لأنها تقدم لهم المكاسب المادية أو تؤمن لهم الوساطة التي يحتاجونها لتولي وظيفة إلخ… فما الذي سيقدمه تيار المجتمع المدني للشباب؟ الفكر أهم من من كل هذه التقديمات، فالفكر هو الذي يغير المجتمع، الإسهام والمشاركة في أنشطة تيار المجتمع المدني هو عمل تطوعي مجاني يهدف المشاركين فيه الى تغيير المجتمع، وعلى هذا الأساس ينتسبون إلى التيار.
◙ هل مازال هناك أشخاص يحلمون بالتغيير؟ ما الكلمة او النصيحة التي تود توجيهها للشباب عبر نشرة “تواصل مدني”؟ نعم وأكثر من ذي قبل. كثيرون يزورونني ويقولون لي أن ما أخبرتهم عنه قبل خمسين عاماً يتحقق اليوم، وبالتالي إن الأمر يحتاج إلى الإيمان بالقضية التي نعمل لأجلها. إن التواصل هو الوسيلة للوصول الى اكبر عدد من الجمعيات والاحزاب، أنصح الشباب بالتنسيق ثم التنسيق وانعاش روح التطوع لديهم فتيار المجتمع المدني هو مكان يجتمع فيه كل فرد يسعى ويطمح لتغيير مجتمعه نحو الأفضل.