إعداد بيار الخوري
في ظل معمعة التطبيع مع الديكتاتور على حساب الثورة في عالمنا العربي، لا بد من العودة إلى كتاب جان بول سارتر: “تاريخ حياة طاغية”. وضع سارتر الديكتاتور في قالب يبرر فيه أعماله الإجرامية تجاه شعبه تحت مقولة “الحرب وغزو البلاد أو تأميم النفط ونهب خيرات البلاد”.
علّلَ وبرّر وحاول إنصاف الديكتاتورية وإجهاض كل ما له علاقة بالثورة. أكسبه صفة التصفية الممنهجة تحت شعار “إبعاد الكأس المر أو لهط الأقل مرارةً”. لطّف عمليات الاغتيالات بحق معارضيه وأبرز في نفس الوقت من خلال شخصية “لوسيان” أن الثورة في الأساس “أخلاقية”، إذ رفض الأخير الانصياع للطغيان، ما أدى إلى اغتياله بأمر من صديقه “جان” الديكتاتور.
حثّني سارتر على التفكير والتأمل في إمكانية تبرير أي فعل إجرامي لأي طاغية. أرهقني بفكرة الحفاظ على كل شيء جميل وبريء، خصوصاً الأخلاق.
هل كل طاغية يجسد مشروع خلاص من شيء أسوأ من وجوده أو أن وجوده هو أسوأ ما يمكن أن يكون؟
استيقظ في داخلي صراخ الحرية في ميدان التحرير وألم البوعزيزي قبل موته ووجع الفتيان مقطوعي الأصابع. غضبت من نفسي وأوقفت الهذيان وعدت إلى ذاتي التي من المفترض أن تكون حقيقية. أيقنت أن الشك هو مفتاح اليقين. أيقنت أن لا شيء أبداً يبرر قتل أي إنسان بريء تحت أي حجة. ربما سارتر غرس الشك وتركه يتغلغل في مواجهة هشاشة “الثوابت الأخلاقية”. إلا أني “أكاد أجزم” أن لا شيء يعلو فوق الثوابت الإنسانية. وكل المبررات التي يمكن أن تجعلني أتقبل أي ظالم، تسقط أمام وهج هذه الثوابت.
وفهمت أخيراً أحد أسباب العلاقة المتوترة التي كانت موجودة ما بين سارتر وألبير كامو، وهي تتلخّص بقول كامو “لا تتحقق قيمة الإنسان إلا بالتمرد”.
جان بول سارتر
فيلسوف وروائي وكاتب وناقد أدبي فرنسي، وُلد في باريس في العام 1905. علّم في “الليسية دو هافر” وأكمل إعداده الفلسفي في المعهد الفرنسي التابع لبرلين، وشهد احتلال ألمانيا النازية لفرنسا.
انتقد وهو في سن الشباب القيم وتقاليد الطبقة الاجتماعية والبرجوازية.
أولى كتاباته الفلسفية هي “الخيال”. هو من أهم رُوّاد المذهب الوجودي. وقد انتشرت أفكاره الوجودية من خلال المجلة التي أنشأها في العام 1945 تحت اسم “Les temps modernes”. وقد عُرف سارتر من خلال رواياته وأشهرها “الغثيان” و”طرق الحرية” ومن خلال كتاباته النقدية للأدب والسياسة، كما عُرف أيضا بكتاباته المسرحية ومنها “الذباب”. وقد فاجأ الجميع برفضه استلام جائزة نوبل للآداب في العام 1964، مُعتبراً أنه ما من أحد يستحق أن يُكرَّم وهو على قيد الحياة. توفي سارتر في شهر نيسان من العام 1980 بعد مرضه. |